كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 44)
وَذَلِكَ فِيمَا لاَ يَحْتَمِل الْقِسْمَةَ، لأَِنَّهُ لَوْ قَسَّمَ قَبْل الْوَقْفِ فَاتَ الاِنْتِفَاعُ كَالْبَيْتِ الصَّغِيرِ وَالْحَمَّامِ فَاكْتَفَى بِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ فِي الْجُمْلَةِ، وَقَدْ أَخَذَ مَشَايِخُ بُخَارَى بِقَوْل مُحَمَّدٍ، وَصَرَّحَ فِي الْخُلاَصَةِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْل مُحَمَّدٍ فِي وَقْفِ الْمَشَاعِ، وَكَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَغَيْرِهَا (1) .
وَإِنَّمَا يَكُونُ الشُّيُوعُ فِيمَا يَحْتَمِل الْقِسْمَةَ مَانِعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ مِنَ الْوَقْفِ إِذَا كَانَ هَذَا الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ لاَ وَقْتَ الْعَقْدِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَوْ كَانَ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَرْضٌ وَقَفَاهَا وَدَفَعَاهَا مَعًا إِلَى قَيِّمٍ وَاحِدٍ جَازَ اتِّفَاقًا، لأََنَّ الْمَانِعَ مِنَ الْجَوَازِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ الشُّيُوعُ وَقْتَ الْقَبْضِ لاَ وَقْتَ الْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ هَاهُنَا لِوُجُودِهِمَا مَعًا مِنْهُمَا، وَكَذَا لَوْ وَقَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَصِيبَهُ عَلَى جِهَةٍ وَسَلَّمَاهُ مَعًا لِقَيِّمٍ وَاحِدٍ جَازَ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الشُّيُوعِ وَقْتَ الْقَبْضِ، وَكَذَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي وَقْفَيْهِمَا جِهَةً وَقَيِّمًا وَاتَّحَدَ زَمَانُ تَسْلِيمِهِمَا لَهُمَا أَوْ قَال كُلٌّ مِنْهُمَا لِقَيِّمِهِ: اقْبِضْ نَصِيبِي مَعَ نَصِيبِ صَاحِبِي لأَِنَّهُمَا صَارَا كَمُتَوَلٍّ وَاحِدٍ (2) .
وَأَيْضًا فَإِنَّ الشُّيُوعَ - فِيمَا يَحْتَمِل الْقِسْمَةَ - الَّذِي يَمْنَعُ الْوَقْفَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ الشُّيُوعُ الْمُقَارَنُ
__________
(1) الهداية وشروحها فتح القدير والعناية 6 / 211، والبحر الرائق 5 / 212.
(2) حاشة ابن عابدين على الدر المختار 3 / 365.
لاَ الشُّيُوعُ الطَّارِئُ، فَلَوْ وَقَفَ شَخْصٌ كُل عَقَارِهِ ثُمَّ اسْتَحَقَّ جُزْءٌ مِنْهُ شَائِعًا بَطَل الْوَقْفُ فِي الْبَاقِي، لأَِنَّهُ تَبَيَّنَ بَعْدَ الاِسْتِحْقَاقِ أَنَّ الشُّيُوعَ كَانَ مُقَارِنًا لِلْوَقْفِ.
أَمَّا إِذَا وَقَفَ الْمَرِيضُ دَارَهُ ثُمَّ مَاتَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ لاَ تَخْرُجُ مِنَ الثُّلُثِ وَلَمْ يُجِزِ الْوَرَثَةُ وَقْفَ الْجُزْءِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّ الْوَقْفَ يَبْطُل فِي الْجُزْءِ الزَّائِدِ وَيُصْبِحُ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ، وَيَبْقَى الْبَاقِي مِنَ الدَّارِ الَّذِي خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ وَقْفًا، وَقَدْ صَحَّ الْوَقْفُ هُنَا مَعَ كَوْنِهِ حِصَّةً شَائِعَةً، لأَِنَّ الشُّيُوعَ طَارِئٌ بِسَبَبِ عَدَمِ إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ (1) .
التَّصَرُّفَاتُ الَّتِي تَجْرِي عَلَى الْمَوْقُوفِ:
زَكَاةُ الْمَال الْمَوْقُوفِ:
يَتَأَتَّى الْكَلاَمُ فِي زَكَاةِ الْمَوْقُوفِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ:
الْمَسْأَلَةُ الأُْولَى: زَكَاةُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ نَفْسِهَا:
74 - زَكَاةُ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ يَنْبَنِي عَلَى اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي مِلْكِ رَقَبَةِ الْعَيْنِ الْمَوْقُوفَةِ.
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْصَحِّ لاَ زَكَاةَ فِيهَا، يَقُول الْحَنَفِيَّةُ: لاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي سَوَائِمِ الْوَقْفِ وَالْخَيْل الْمُسَبَّلَةِ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لأَِنَّ فِي
__________
(1) الهداية مع فتح القدير 6 / 212، والبحر الرائق 5 / 213، وحاشية ابن عابدين 3 / 364، 365.
الصفحة 172