كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 44)

الْفُقَهَاءُ فِي تَحْدِيدِ الْمُدَّةِ الَّتِي يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ التَّأْجِيرُ فِيهَا.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى عَدَمِ تَحْدِيدِ الْمُدَّةِ الَّتِي يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ تَأْجِيرُ الْمَوْقُوفِ فِيهَا إِذْ لاَ تَوْقِيتَ فِي ذَلِكَ فَتَجُوزُ الإِْجَارَةُ مُدَّةً تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا بِحَيْثُ لاَ يَلْحَقُهَا مَوْتٌ أَوْ هَدْمٌ لإِِمْكَانِ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ.
وَيَذْكُرُ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي تَبْقَى فِيهَا الْعَيْنُ غَالِبًا يَرْجِعُ إِلَى أَهْل الْخِبْرَةِ فَيُؤَجَّرُ الدَّارُ وَالرَّقِيقُ ثَلاَثِينَ سَنَةً، وَالدَّابَّةُ عَشْرَ سِنِينَ وَالثَّوْبُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، وَالأَْرْضُ مِائَةَ سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ.
وَفِي قَوْلٍ: لاَ يُزَادُ عَلَى سَنَةٍ لاِنْدِفَاعِ الْحَاجَةِ بِهَا، وَفِي قَوْلٍ عَلَى ثَلاَثِينَ سَنَةً لأَِنَّهَا نِصْفُ الْعُمْرِ الْغَالِبِ.
وَقَال الْمَاوَرْدِيُّ: أَقَل مُدَّةٍ تُؤَجَّرُ الأَْرْضُ فِيهَا لِلزِّرَاعَةِ مُدَّةُ زِرَاعَتِهَا، وَأَقَل مُدَّةٍ تُؤَجَّرُ الدَّارُ لِلسُّكْنَى يَوْمٌ (1) .
وَيَقُول الْحَنَفِيَّةُ: لَوْ أَهْمَل الْوَاقِفُ مُدَّةَ الإِْجَارَةِ قِيل: تُطْلَقُ الزِّيَادَةُ لِلْقَيَّمِ وَقِيل: تُقَيَّدُ بِسَنَةٍ مُطْلَقًا، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لأَِنَّ هَذِهِ الْمُدَّةَ إِذَا طَالَتْ تُؤَدِّي إِلَى إِبْطَال الْوَقْفِ فَإِنَّ مَنْ
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 349، وشرح منتهى الإرادات 2 / 363، وتحفة المحتاج 6 / 172.
رَآهُ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلاَّكِ عَلَى طُول الزَّمَانِ يَظُنُّهُ مَالِكًا، قَال فِي الدُّرِّ: وَبِإِجَارَةِ السَّنَةِ يُفْتَى فِي الدَّارِ وَبِثَلاَثِ سِنِينَ فِي الأَْرْضِ إِلاَّ إِذَا كَانَتِ الْمُصْلِحَةُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ، وَهَذَا مِمَّا يَخْتَلِفُ زَمَانًا وَمَوْضِعًا، وَنَقَل صَاحِبُ الدُّرِّ عَنِ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ لَوِ احْتِيجَ لِذَلِكَ يَعْقِدُ عُقُودًا أَيْ عُقُودًا مُتَرَادِفَةً كُل عَقْدٍ سَنَةً بِكَذَا، وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَابِدِينَ أَنَّ هَذَا فِي الدَّارِ، أَمَّا فِي الأَْرْضِ فَيَصِحُّ كُل عَقْدٍ ثَلاَثَ سِنِينَ، وَصُورَةُ ذَلِكَ أَنْ يَقُول: آجَرْتُكَ الدَّارَ الْفُلاَنِيَّةَ سَنَةَ تِسْعٍ وَأَرْبَعِينَ بِكَذَا وَآجَرْتُكَ إِيَّاهَا سَنَةَ خَمْسِينَ بِكَذَا، وَآجَرْتُكَ إِيَّاهَا سَنَةَ إِحْدَى وَخَمْسِينَ بِكَذَا وَهَكَذَا إِلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ.
وَيَكُونُ الْعَقْدُ الأَْوَّل لاَزِمًا وَمَا عَدَا الْعَقْدَ الأَْوَّل لاَ يَكُونُ لاَزِمًا، لأَِنَّ جَمِيعَ مَا عَدَاهُ مُضَافٌ، وَذَكَرَ شَمْسُ الأَْئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ: أَنَّ الإِْجَارَةَ الْمُضَافَةَ تَكُونُ لاَزِمَةً فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ (1) .
وَيُفَرِّقُ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ أَرْضًا أَوْ دَارًا وَبَيْنَ مَا إِذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مُعَيَّنًا أَوْ لاَ، فَإِنْ كَانَ الْمَوْقُوفُ أَرْضًا وَكَانَ الْوَقْفُ عَلَى مُعَيَّنٍ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلنَّاظِرِ إِجَارَةُ الأَْرْضِ الْمَوْقُوفَةِ سَنَتَيْنِ أَوْ ثَلاَثَ سِنِينَ وَلاَ يَجُوزُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى غَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْفُقَرَاءِ وَنَحْوِهِمْ
__________
(1) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 3 / 397.

الصفحة 177