كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 44)

وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَى هَذَا يُصْرَفُ ثَمَنُهَا فِي مَصَالِحِ الْمَسْجِدِ، قَال الرَّافِعِيُّ: وَالْقِيَاسُ أَنْ يُشْتَرَى بِثَمَنِ الْحَصِيرِ حَصِيرٌ لاَ غَيْرُهَا.
قَال: وَيُشْبِهُ أَنَّهُ مُرَادُهُمْ، وَهُوَ ظَاهِرٌ إِنْ أَمْكَنَ وَإِلاَّ فَالأَْوَّل. وَكَالْحُصْرِ فِي ذَلِكَ نُحَاتَةُ الْخَشَبِ وَأَسْتَارُ الْكَعْبَةِ إِذَا لَمْ يَبْقَ فِيهَا نَفْعٌ وَلاَ جَمَالٌ. وَالثَّانِي: لاَ يُبَاعُ مَا ذُكِرَ إِدَامَةً لِلْوَقْفِ فِي عَيْنِهِ، وَلأَِنَّهُ يُمْكِنُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ فِي طَبْخِ جِصٍّ أَوْ آجُرٍّ.
قَال السُّبْكِيُّ: وَقَدْ تَقُومُ قِطْعَةٌ مِنَ الْجُذُوعِ مَقَامَ آجُرَّةٍ وَقَدْ تَقُومُ النُّحَاتَةُ مَقَامَ التُّرَابِ وَيُخْتَلَطُ بِهِ. قَال الأَْذْرُعِيُّ: وَلَعَلَّهُ أَرَادَ مَقَامَ التِّبْنِ الَّذِي يُسْتَعْمَل فِي الطِّينِ، وَجَرَى عَلَى هَذَا جَمْعٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ.
أَمَّا الْحُصْرُ الْمَوْهُوبَةُ أَوِ الْمُشْتَرَاةُ لِلْمَسْجِدِ، فَإِنَّهَا تُبَاعُ لِلْحَاجَةِ.
وَأَمَّا الْجُذُوعُ وَمَا شَابَهَهَا إِذَا صَلَحَ لِغَيْرِ الإِْحْرَاقِ بِأَنْ أَمْكَنَ أَنْ يُتَّخَذَ مِنْهَا أَلْوَاحٌ وَأَبْوَابٌ فَلاَ تُبَاعُ قَطْعًا.
فَإِنْ خِيفَ عَلَى الْمَسْجِدِ - كَأَنْ كَانَ آيِلاً لِلسُّقُوطِ - نُقِضَ وَبَنَى الْحَاكِمُ بِنَقْضِهِ مَسْجِدًا آخَرَ إِنْ رَأَى ذَلِكَ وَإِلاَّ حَفِظَهُ، وَبِنَاؤُهُ بِقُرْبِهِ أَوْلَى، وَلاَ يَبْنِي بِهِ بِئْرًا كَمَا لاَ يَبْنِي بِنَقْضِ بِئْرٍ خَرِبَتْ مَسْجِدًا بَل بِئْرًا أُخْرَى مُرَاعَاةً لِغَرَضِ الْوَاقِفِ مَا أَمْكَنَ. وَلَوْ وَقَفَ عَلَى قَنْطَرَةٍ وَانْحَرَقَ
الْوَادِي وَتَعَطَّلَتِ الْقَنْطَرَةُ وَاحْتِيجَ إِلَى قَنْطَرَةٍ أُخْرَى جَازَ نَقْلُهَا إِلَى مَحَل الْحَاجَةِ، وَغَلَّةُ وَقْفِ الثَّغْرِ وَهُوَ الطَّرَفُ الْمُلاَصِقُ مِنْ بِلاَدِنَا بِلاَدَ الْكُفَّارِ إِذَا حَصَل فِيهِ الأَْمْنُ يَحْفَظُهُ النَّاظِرُ لاِحْتِمَال عَوْدِهِ ثَغْرًا (1) .
وَإِنْ وَقَفَ نَخْلَةً فَجَفَّتْ أَوْ بَهِيمَةً فَزَمِنَتْ أَوْ جُذُوعًا عَلَى مَسْجِدٍ فَتَكَسَّرَتْ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ.
وَالثَّانِي: وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ يَجُوزُ بَيْعُهُ لأَِنَّهُ لاَ يُرْجَى مَنْفَعَتُهُ فَكَانَ بَيْعُهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهِ بِخِلاَفِ الْمَسْجِدِ فَإِنَّ الْمَسْجِدَ يُمْكِنُ الصَّلاَةُ فِيهِ مَعَ خَرَابِهِ وَقَدْ يَعْمُرُ الْمَوْضِعُ فَيُصَلَّى فِيهِ، فَإِنْ قُلْنَا تُبَاعُ كَانَ الْحُكْمُ فِي ثَمَنِهِ حُكْمَ الْقِيمَةِ الَّتِي تُوجَدُ مِنْ مُتْلَفِ الْوَقْفِ.
فَمِنَ الأَْصْحَابِ مَنْ قَال إِنْ قُلْنَا: إِنَّ الْمِلْكَ فِي رَقَبَةِ الْمَوْقُوفِ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ - وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ - كَانَ ثَمَنُهُ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ لأَِنَّهُ بَدَل مِلْكِهِ. وَإِنْ قُلْنَا: إِنَّهُ لِلَّهِ تَعَالَى - وَهُوَ الأَْظْهَرُ - اشْتَرَى بِهِ مِثْلَهُ لِيَكُونَ وَقْفًا مَكَانَهُ، وَقَال الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ الإِْسْفِرَايِينِيُّ: يَشْتَرِي بِهَا مِثْلَهُ لِيَكُونَ وَقْفًا مَكَانَهُ قَوْلاً وَاحِدًا (2) .
__________
(1) مغني المحتاج 2 / 392.
(2) المهذب 1 / 450، 452، ومغني المحتاج 2 / 38، 391 - 392.

الصفحة 201