كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 44)
وَلِكُل مَذْهَبٍ تَفْصِيلٌ يَخْتَلِفُ عَنْ غَيْرِهِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِيمَا يَلِي:
110 - قَال الْحَنَفِيَّةُ: لاَ يَلْزَمُ أَنْ يُحَاسِبَ الْقَاضِي مُتَوَلِّيَ الْوَقْفِ بِالتَّفْصِيل لِكُل مَا صَرَفَهُ مِنْ غَلاَّتِ الْوَقْفِ، بَل يَكْتَفِي مِنْهُ بِالإِْجْمَال لَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالأَْمَانَةِ، أَمَّا لَوْ كَانَ مُتَّهَمًا فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُجْبِرُهُ عَلَى التَّفْسِيرِ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلاَ يَحْبِسُهُ، وَلَكِنْ يُحْضِرُهُ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً وَيُخَوِّفُهُ وَيُهَدِّدُهُ إِنْ لَمْ يُفَسِّرْ، فَإِنْ فَعَل فَبِهَا، وَإِلاَّ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي مِنْهُ بِالْيَمِينِ (1) .
وَنَقَل فِي الدُّرِّ عَنِ الْقُنْيَةِ: لَوِ اتَّهَمَهُ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يُحَلِّفُهُ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: أَيْ وَلَوْ كَانَ أَمِينًا، كَالْمُودَعِ يَدَّعِي هَلاَكَ الْوَدِيعَةِ أَوْ رَدَّهَا.
وَقِيل: إِنَّمَا يُسْتَحْلَفُ إِذَا ادَّعَى عَلَيْهِ الْقَاضِي شَيْئًا مَعْلُومًا، وَقِيل: يُحَلَّفُ عَلَى كُل حَالٍ.
وَقَدِ اخْتَلَفَتْ أَقْوَال الْحَنَفِيَّةِ فِيمَا لَوِ ادَّعَى الْمُتَوَلِّي الدَّفْعَ إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ.
فَفِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ: قُبِل قَوْلُهُ بِلاَ يَمِينٍ (2) .
لَكِنْ فِي الْبَحْرِ الرَّائِقِ وَالإِْسْعَافِ خِلاَفُ هَذَا، فَقَدْ جَاءَ فِي الإِْسْعَافِ: لَوْ قَال الْمُتَوَلِّي: قَبَضْتُ الأُْجْرَةَ وَدَفَعْتُهَا إِلَى هَؤُلاَءِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهِمْ،
__________
(1) الدر المختار 3 / 425، والبحر الرائق 5 / 262.
(2) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 3 / 425.
وَأَنْكَرُوا ذَلِكَ، كَانَ الْقَوْل قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ كَالْمُودَعِ إِذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ وَأَنْكَرَ الْمُودِعُ، لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا مَعْنًى وَإِنْ كَانَ مُدَّعِيًا صُورَةً وَالْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى. وَيَبْرَأُ مُسْتَأْجِرُ عَقَارِ الْوَقْفِ مِنَ الأُْجْرَةِ لاِعْتِرَافِ الْمُتَوَلِّي بِقَبْضِهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ قَال الْمُتَوَلِّي: قَبَضْتُ الأُْجْرَةَ وَضَاعَتْ مِنِّي أَوْ سُرِقَتْ، كَانَ الْقَوْل قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ لِكَوْنِهِ أَمِينًا (1) .
وَنَقَل ابْنُ عَابِدِينَ عَنِ الْخَيْرِ الرَّمْلِيِّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي هَذَا الزَّمَانِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الْحَامِدِيَّةِ عَنِ الْمُفْتِي أَبِي السُّعُودِ: أَنَّهُ أَفْتَى بِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ إِنْ كَانَ مُفْسِدًا مُبَذِّرًا لاَ يُقْبَل قَوْلُهُ بِصَرْفِ مَال الْوَقْفِ بِيَمِينِهِ.
وَفِي الْحَامِدِيَّةِ أَيْضًا أَنَّ الْقَوْل فِي الأَْمَانَةِ قَوْل الأَْمِينِ مَعَ يَمِينِهِ، إِلاَّ أَنْ يَدَّعِيَ أَمْرًا يُكَذِّبُهُ الظَّاهِرُ، فَحِينَئِذٍ تَزُول الأَْمَانَةُ وَتَظْهَرُ الْخِيَانَةُ فَلاَ يُصَدَّقُ.
وَفِي الْحَامِدِيَّةِ كَذَلِكَ عَنْ فَتَاوِي الشَّلَبِيِّ أَنَّ مَنِ اتَّصَفَ بِالصِّفَاتِ الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ الَّتِي صَارَ بِهَا فَاسِقًا لاَ يُقْبَل قَوْلُهُ فِيمَا صَرَفَهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ.
ثُمَّ قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَهَل يُقْبَل قَوْل النَّاظِرِ الثِّقَةِ بَعْدَ الْعَزْل؟ ذَكَرَ الْحَمَوِيُّ أَنَّ ظَاهِرَ كَلاَمِهِمُ
__________
(1) الإسعاف ص68 - 69، والبحر الرائق 5 / 263.
الصفحة 215