كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 44)

تَحْرِيمُ إِتْيَانِ الْحَلِيلَةِ فِي دُبُرِهَا.
وَأَمَّا اسْتِدْلاَلُهُمْ بِالآْيَةِ الثَّانِيَةِ: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} فَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُرَادَ إِتْيَانُ الْمَرْأَةِ فِي فَرْجِهَا دُونَ دُبُرِهَا.
وَأَمَّا تَأْوِيل مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ لِلآْيَةِ، فَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الآْيَةِ: {وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ (1) } مِمَّا قَدْ أَحَل لَكُمْ مِنْ جِمَاعِهِنَّ فِي فُرُوجِهِنَّ، وَقَالُوا: هَذَا التَّأْوِيل أَوْلَى مِنْ تَأْوِيل مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ لِمُوَافَقَتِهِ لِمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الأَْحَادِيثِ الَّتِي اسْتَدَل بِهَا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ (2) .

رَابِعًا: وَطْءُ الأَْجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا:
29 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حُرْمَةِ وَطْءِ الأَْجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا، وَأَنَّهُ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا (3) ، لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: لاَ يَنْظُرُ اللَّهُ إِلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلاً أَوِ امْرَأَةً فِي الدُّبُرِ (4) . وَمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: مَلْعُونٌ مَنْ
__________
(1) سورة الشعراء / 166.
(2) شرح معاني الآثار 3 / 45، وتفسير القرطبي 3 / 94.
(3) الزواجر 2 / 140، والهداية مع الفتح 5 / 43، وكشاف القناع 6 / 95.
(4) حديث: " لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر " تقدم تخريجه فقرة (24) .
أَتَى امْرَأَةً فِي دُبُرِهَا (1) .
30 - غَيْرَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ اخْتَلَفُوا فِي عُقُوبَةِ مُرْتَكِبِ هَذِهِ الْفَاحِشَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
الأَْوَّل: لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْمَذْهَبِ وَالصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ أَنَّ فِيهِ حَدَّ الزِّنَا، وَذَلِكَ لأَِنَّهُ فِي مَعْنَى الزِّنَا، إِذْ هُوَ قَضَاءٌ لِشَهْوَةٍ فِي مَحَلٍّ مُشْتَهًى، عَلَى سَبِيل الْكَمَالِ، عَلَى وَجْهٍ تَمَحَّضَ حَرَامًا، بِقَصْدِ سَفْحِ الْمَاءِ. وَهُوَ قَوْل الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَالأَْوْزَاعِيِّ (2) .
الثَّانِي: لأَِبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي قَوْلٍ، وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِ الْحَدِّ فِي وَطْءِ الْمَرْأَةِ الأَْجْنَبِيَّةِ فِي دُبُرِهَا، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا، نَظَرًا لاِخْتِلاَفِ الصَّحَابَةِ فِي مُوجِبِهِ مِنَ الإِْحْرَاقِ بِالنَّارِ وَهَدْمِ الْجِدَارِ وَالتَّنْكِيسِ مِنْ مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ بِاتِّبَاعِ الأَْحْجَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ هُوَ فِي مَعْنَى الزِّنَا، لأَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِضَاعَةُ الْوَلَدِ وَاشْتِبَاهُ الأَْنْسَابِ،
__________
(1) حديث: " معلون من أتى امرأة في دبرها ". تقدم تخريجه، فقرة (24) .
(2) تحريم الغناء والسماع للطرطوشي ص257، 258، وكشاف القناع 6 / 95، والمغني لابن قدامة 12 / 340، وشرح منتهى الإرادات 3 / 345، ورد المحتار 3 / 155، والهداية مع فتح القدير 5 / 43، والحاوي الكبير 11 / 442، ومغني المحتاج 4 / 144، والدسوقي على الشرح الكبير 4 / 314، وشرح الخرشي 8 / 76.

الصفحة 30