كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 44)
يُمْهَل أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، كَمَا بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى، وَيُطَالَبُ بِالْوَطْءِ فِيهِنَّ، قَال تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (1) } . قَال الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّ سَبَبَ نُزُول هَذِهِ الآْيَةِ أَنَّ الْجَاهِلِيِّينَ كَانُوا يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمُ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ وَأَكْثَرَ، فَأَنْزَل اللَّهُ هَذِهِ الآْيَةَ، فَوَقَّتَ لَهُمْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ (2) .
44 - وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ الْمُولِي إِمَّا أَنْ يُصِرَّ عَلَى عَدَمِ الْوَطْءِ، حَتَّى مُضِيِّ الأَْرْبَعَةِ الأَْشْهُرِ أَوْ يَرْجِعَ إِلَيْهَا قَبْل مُضِيِّ الْمُدَّةِ.
فَإِنْ أَصَرَّ الْمُولِي عَلَى عَدَمِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ الَّتِي آلَى مِنْهَا حَتَّى مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ مِنْ تَارِيخِ الإِْيلاَءِ، كَانَ إِصْرَارُهُ هَذَا دَاعِيًا إِلَى الْفُرْقَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا؛ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ الاِمْتِنَاعِ إِضْرَارًا بِهَا، وَلِلزَّوْجَةِ أَنْ تَرْفَعَ الأَْمْرَ إِلَى الْقَاضِي، فَيَأْمُرَ الرَّجُل بِالْفَيْءِ - أَيْ بِالرُّجُوعِ عَنْ مُوجَبِ يَمِينِهِ - فَإِنْ أَبَى أَمَرَهُ بِتَطْلِيقِهَا، فَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْ طَلَّقَهَا عَلَيْهِ الْقَاضِي. وَهُوَ قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ الطَّلاَقَ يَقَعُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى رَفْعِ الأَْمْرِ إِلَى الْقَاضِي وَلاَ حُكْمِهِ بِتَطْلِيقِهَا، وَذَلِكَ جَزَاءٌ لِلزَّوْجِ
__________
(1) سورة البقرة / 226 - 227.
(2) الجامع لأحكام القرآن 3 / 103.
عَلَى الإِْضْرَارِ بِزَوْجَتِهِ وَإِيذَائِهَا بِمَنْعِ حَقِّهَا الْمَشْرُوعِ.
أَمَّا إِذَا وَطِئَهَا قَبْل مُضِيِّ الْمُدَّةِ فَإِنَّهُ يَكُونُ حَانِثًا فِي يَمِينِهِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُكَفِّرَ، وَيَنْحَل الإِْيلاَءُ (1) .
(ر: إِيلاَء ف16 - 19) .
ثَانِيًا: الظِّهَارُ:
45 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى تَحْرِيمِ وَطْءِ الْمُظَاهِرِ زَوْجَتَهُ الَّتِي ظَاهَرَ مِنْهَا قَبْل التَّكْفِيرِ عَنِ الظِّهَارِ، قَال تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْل أَنْ يَتَمَاسَّا (2) } . وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ: لاَ يَحْرُمُ وَطْؤُهَا إِذَا كَانَ التَّكْفِيرُ بِالإِْطْعَامِ.
وَاخْتَلَفُوا فِي حُرْمَةِ دَوَاعِي الْوَطْءِ قَبْل التَّكْفِيرِ، وَالتَّفْصِيل فِي (ظِهَار ف22 - 23) . كَمَا اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْمُظَاهِرِ إِذَا وَطِئَ زَوْجَتَهُ الْمُظَاهَرَ مِنْهَا قَبْل التَّكْفِيرِ. (ر: كَفَّارَة ف64) .
46 - وَلِلْمَرْأَةِ الْحَقُّ فِي مُطَالَبَةِ الزَّوْجِ بِالْوَطْءِ، وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْنَعَ الزَّوْجَ مِنْ وَطْئِهَا حَتَّى يُكَفِّرَ، فَإِنِ
__________
(1) بدائع الصنائع 3 / 176، ومغني المحتاج 3 / 348، والحاوي الكبير 13 / 229، والخرشي 3 / 238، وعقد الجواهر الثمينة 2 / 221، والدسوقي على الشرح الكبير 2 / 436، وبداية المجتهد 2 / 99 وما بعدها، والمغني 11 / 30 وما بعدها.
(2) سورة المجادلة / 3.
الصفحة 40