كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 44)

وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى حِل وَطْءِ الْحَامِلِ، وَاسْتَدَلُّوا بِمَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَال: إِنِّي أَعْزِل عَنِ امْرَأَتِي، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لِمَ تَفْعَل ذَلِكَ؟ فَقَال الرَّجُل: أُشْفِقُ عَلَى وَلَدِهَا، فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنْ كَانَ لِذَلِكَ فَلاَ، مَا ضَارَّ ذَلِكَ فَارِسَ وَلاَ الرُّومَ (1) .
قَال الطَّحَاوِيُّ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِبَاحَةُ وَطْءِ الْحَبَالَى، وَإِخْبَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ لاَ يَضُرُّ فَارِسَ وَالرُّومَ فَإِنَّهُ لاَ يَضُرُّ غَيْرَهُمْ.
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَنْهَى عَنِ الْغِيلَةِ حَتَّى ذَكَرْتُ أَنَّ الرُّومَ وَفَارِسَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ فَلاَ يَضُرُّ أَوْلاَدَهُمْ (2) .
فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَمَّ بِالنَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ حَتَّى بَلَغَهُ، أَوْ حَتَّى ذَكَرَ أَنَّ فَارِسَ وَالرُّومَ يَفْعَلُونَهُ فَلاَ يَضُرُّ أَوْلاَدَهُمْ.
وَفِي ذَلِكَ إِبَاحَةُ مَا قَدْ حَظَرَهُ الْحَدِيثُ الَّذِي اسْتَدَل بِهِ الْقَائِلُونَ بِكَرَاهَةِ وَطْءِ الْحَامِل (3) .

آثَارُ الْوَطْءِ:
أ - أَثَرُ الْوَطْءِ فِي تَأْكِيدِ لُزُومِ كُل الْمَهْرِ:
57 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
__________
(1) حديث: " إن كان لذلك فلا. . " أخرجه مسلم (2 / 1067) .
(2) سبق تخريجه ف52.
(3) شرح معاني الآثار 3 / 46 - 48، وفيض القدير 5 / 280.
وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى اسْتِقْرَارِ كَمَال الْمَهْرِ بِوَطْءِ الزَّوْجَةِ مَرَّةً وَاحِدَةً، فَيَتَقَرَّرُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ الصَّدَاقُ الْمُسَمَّى كَامِلاً؛ لأَِنَّهُ اسْتَوْفَى الْمَقْصُودَ، فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عِوَضُهُ (1) . قَال الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ: وَمَعْنَى الاِسْتِقْرَارِ هَاهُنَا الأَْمْنُ مِنْ سُقُوطِ كُل الْمَهْرِ أَوْ بَعْضِهِ بِالتَّشْطِيرِ (2) .
وَبَيَانُ ذَلِكَ كَمَا قَال الْبَابَرْتِيُّ فِي الْعِنَايَةِ: أَنَّهُ بِالدُّخُول يَتَحَقَّقُ تَسْلِيمُ الْمُبْدَلِ، وَبِهِ يَتَأَكَّدُ الْبَدَل وَهُوَ الْمَهْرُ، كَمَا فِي تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ فِي بَابِ الْبَيْعِ، يَتَأَكَّدُ بِهِ وُجُوبُ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ وُجُوبَ الثَّمَنِ قَبْل ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُتَأَكِّدًا، لِكَوْنِهِ عَلَى عُرْضَةِ أَنْ يَهْلِكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ فَيَنْفَسِخَ الْعَقْدُ، وَبِتَسْلِيمِهِ يَتَأَكَّدُ وُجُوبُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَكَذَلِكَ وُجُوبُ الْمَهْرِ كَانَ عُرْضَةً أَنْ يَسْقُطَ بِتَقْبِيل ابْنِ الزَّوْجِ أَوِ الاِرْتِدَادِ، وَأَنْ يَتَنَصَّفَ بِطَلاَقِهَا قَبْل الدُّخُولِ، وَبِالْوَطْءِ تَأَكَّدَ لُزُومُ تَمَامِهِ (3) ..
__________
(1) الهداية مع الفتح والكفاية 3 / 209، ومغني المحتاج 3 / 224، والذخيرة 4 / 374، 378، والشرح الصغير للدردير 2 / 437، وعقد الجواهر الثمينة 2 / 96، 97، وشرح منتهى الإرادات 3 / 76، 83، وكشاف القناع 5 / 168.
(2) مغني المحتاج 3 / 224.
(3) العناية على الهداية 3 / 209، ورد المحتار 2 / 330.

الصفحة 47