كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 44)

بْنِ عَبْدِ اللَّهِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قَال: كُنَّا نَرَى الاِجْتِمَاعَ إِلَى أَهْل الْمَيِّتِ وَصَنْعَةَ الطَّعَامِ مِنَ النِّيَاحَةِ " (1) .
وَفِي رَأْيٍ آخَرَ لِلْحَنَفِيَّةِ يُبَاحُ لأَِهْل الْمَيِّتِ اتِّخَاذُ الطَّعَامِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الأَْنْصَارِ، قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جِنَازَةٍ، فَرَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ عَلَى الْقَبْرِ يُوصِي الْحَافِرَ: أَوْسِعْ مِنْ قِبَل رِجْلَيْهِ، أَوْسِعْ مِنْ قِبَل رَأْسِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ، فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا، فَنَظَرَ آبَاؤُنَا رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فَمِهِ، ثُمَّ قَال: أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَهْلِهَا، فَأَرْسَلَتِ الْمَرْأَةُ، قَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ، إِنِّي أَرْسَلْتُ إِلَى الْبَقِيعِ يُشْتَرَى لِي شَاةٌ فَلَمْ أَجِدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى جَارٍ لِي قَدِ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِل إِلَيَّ بِهَا بِثَمَنِهَا فَلَمْ يُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إِلَى امْرَأَتِهِ فَأَرْسَلَتْ إِلَيَّ بِهَا، فَقَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَطْعِمِيهِ الأُْسَارَى (2) .
فَهَذَا يَدُل عَلَى إِبَاحَةِ صُنْعِ أَهْل الْمَيِّتِ الطَّعَامَ
__________
(1) أثر جرير بن عبد الله: كنازلة الاجتماع إلى أهل الميت. . . " أخرجه ابن ماجه (1 / 415) ، وصححه النووي في المجموع (5 / 320) .
(2) حديث رجل من الأنصار: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة. . . أخرجه أبو داود (3 / 627) ، وصحح إسناده النووي في المجموع (5 / 286) .
وَالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ (1) .
وَزَادَ الْمَالِكِيَّةُ: أَنَّ مَا يَصْنَعُهُ أَقَارِبُ الْمَيِّتِ مِنَ الطَّعَامِ وَجَمْعِ النَّاسِ إِلَيْهِ إِنْ كَانَ لِقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُرْجَى خَيْرُهُ لِلْمَيِّتِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ لِغَيْرِ ذَلِكَ فَيُكْرَهُ، وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ أَوْصَى بِفِعْلِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ فِي ثُلُثِهِ وَيَجِبُ تَنْفِيذُهُ (2) .
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ أَوْ فِي الْوَرَثَةِ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ أَوْ غَائِبٌ وَصُنِعَ ذَلِكَ مِنَ التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ (3) .
وَأَضَافَ الْحَنَابِلَةُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْمُجْتَمِعُونَ عِنْدَ أَهْل الْمَيِّتِ ضُيُوفًا فَلاَ يُكْرَهُ صُنْعُ أَهْل الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِمْ طَعَامًا لَهُمْ، قَالُوا: إِنْ دَعَتِ الْحَاجَةُ إِلَى ذَلِكَ جَازَ، فَإِنَّهُ رُبَّمَا جَاءَهُمْ مَنْ يَحْضُرُ مَيِّتَهُمْ مِنَ الْقُرَى الْبَعِيدَةِ وَيَبِيتُ عِنْدَهُمْ، فَلاَ يُمْكِنُهُمْ إِلاَّ أَنْ يُطْعِمُوهُ (4) .
وَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مِنْ غَيْرِ أَهْل الْمَيِّتِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ: يُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْل الْمَيِّتِ
__________
(1) غنية المتملي في شرح منية المصلي ص609، وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 339.
(2) الفواكه الدواني 1 / 332.
(3) أسنى المطالب وحاشية الرملي عليه 1 / 335.
(4) مطالب أولي النهى 1 / 929 - 930، والمغني 2 / 550 - 551.

الصفحة 9