كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 45)

مِنَ الْمُوَكِّلِ، لأَِنَّ التَّوْكِيل إِنَابَةٌ وَشُبْهَةٌ يُتَحَرَّزُ عَنْهَا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. (1)
ب - اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ:
66 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ التَّوْكِيل فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى جَوَازِ التَّوْكِيل فِيهِ، لأَِنَّ كُل مَا جَازَ التَّوْكِيل فِيهِ جَازَ اسْتِيفَاؤُهُ فِي حَضْرَةِ الْمُوَكِّل وَغَيْبَتِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي قَوْلٍ وَكَذَلِكَ الْحَنَابِلَةُ فِي قَوْلٍ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّوْكِيل بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ إِنْ كَانَ الْمُوَكِّل غَائِبًا، وَيَجُوزُ التَّوْكِيل فِي الاِسْتِيفَاءِ إِنْ كَانَ الْمُوَكِّل حَاضِرًا، لأَِنَّهُ قَدْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الاِسْتِيفَاءِ بِنَفْسِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى التَّوْكِيلِ، وَلاَ يَجُوزُ التَّوْكِيل فِي الاِسْتِيفَاءِ إِنْ كَانَ الْمُوَكِّل غَائِبًا، لأَِنَّ احْتِمَال الْعَفْوِ قَائِمٌ، لِجَوَازِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا لَعَفَى، فَلاَ يَجُوزُ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مَعَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْعَدِمٌ حَالَةَ حَضْرَةِ الْمُوَكِّل. (2) .
__________
(1) بدائع الصنائع 7 / 3449 ـ 34450، وفتح القدير 6 / 105 ط ـ بولاق ـ بداية المجتهد، وابن رشد 2 / 302، ومغني المحتاج 2 / 221، ونهاية المحتاج 5 / 25، والمغني مع الشرح الكبير 5 / 207، والمبدع 4 / 359، والإنصاف 5 / 361، وكشاف القناع 3 / 465 - 466، والمهذب 1 / 355.
(2) المراجع السابقة.
تَاسِعًا إِثْبَاتُ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَاؤُهَا:
67 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ التَّوْكِيل فِي إِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَائِهَا عَلَى رَأْيَيْنِ:

الرَّأْيُ الأَْوَّل: لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي إِثْبَاتِ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَائِهَا تَفْصِيلٌ، فَهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الإِْثْبَاتِ وَالاِسْتِيفَاءِ.
أَمَّا فِي إِثْبَاتِ الْحُدُودِ فَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ إِلَى جَوَازِ التَّوْكِيل فِي إِثْبَاتِ الْحُدُودِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. . وَاغَدُ يَا أُنَيْسُ إِلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَاعْتَرَفَتْ فَأَمَرَ بِهَا فَرُجِمَتْ (1) ، فَقَدْ وَكَّلَهُ فِي إِثْبَاتِ حَدِّ الزِّنَا وَاسْتِيفَائِهِ.
وَقَال أَبُو الْخَطَّابِ مِنْهُمْ: لاَ تَصِحُّ الْوَكَالَةُ فِي إِثْبَاتِ الْحُدُودِ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّوْكِيل فِي إِثْبَاتِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى سِوَى حَدِّ الْقَذْفِ، وَعَلَّلُوا عَدَمَ جَوَازِ التَّوْكِيل فِي إِثْبَاتِ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّ الْحَقَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَقَدْ أُمِرْنَا فِيهِ بِالدَّرْءِ وَالتَّوَصُّل إِلَى إِسْقَاطِهِ، وَبِالتَّوْكِيل يُتَوَصَّل إِلَى إِيجَابِهِ فَلَمْ يَجُزْ.
وَأَمَّا إِثْبَاتُ التَّوْكِيل فِي إِثْبَاتِ حَدِّ الْقَذْفِ فَقَدْ
__________
(1) حديث: " اغد يا أنيس إلى امرأة هذا. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 12 / 160) ومسلم (3 / 1325) .

الصفحة 35