كتاب الموسوعة الفقهية الكويتية (اسم الجزء: 45)

وَلَوْ وَكَّل رَجُلاً فِي التَّصَرُّفِ فِي زَمَنٍ مُقَيَّدٍ لَمْ يَمْلِكِ التَّصَرُّفَ قَبْلَهُ وَلاَ بَعْدَهُ لأَِنَّهُ لَمْ يَتَنَاوَلْهُ إِذْنُهُ نُطْقًا وَلاَ عُرْفًا لأَِنَّهُ قَدْ يُؤْثِرُ التَّصَرُّفُ فِي زَمَنِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا لَمَّا عَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لِعِبَادَتِهِ وَقْتًا لَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ وَلاَ تَأْخِيرُهَا عَنْهُ، فَلَوْ قَال لَهُ: بِعْ ثَوْبِي غَدًا، لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ الْيَوْمَ وَلاَ بَعْدَ غَدٍ. وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ الْمَكَانَ وَكَانَ يَتَعَلَّقُ بِهِ غَرَضٌ مِثْل أَنْ يَأْمُرَهُ بِبَيْعِ ثَوْبِهِ فِي سُوقٍ، وَكَانَ ذَلِكَ السُّوقُ مَعْرُوفًا بِجَوْدَةِ النَّقْدِ أَوْ كَثْرَةِ الثَّمَنِ أَوْ حِلِّهِ، أَوْ بِصَلاَحِ أَهْلِهِ أَوْ بِمَوَدَّةٍ بَيْنَ الْمُوَكِّل وَبَيْنَهُمْ - تَقَيَّدَ الإِْذْنُ بِهِ، لأَِنَّهُ قَدْ نَصَّ عَلَى أَمْرٍ لَهُ فِيهِ غَرَضٌ فَلَمْ يَجُزْ تَفْوِيتُهُ. وَإِنْ كَانَ هُوَ وَغَيْرُهُ سَوَاءً فِي الْغَرَضِ لَمْ يَتَقَيَّدِ الإِْذْنُ بِهِ وَجَازَ لَهُ الْبَيْعُ فِي غَيْرِهِ لِمُسَاوَاتِهِ الْمَنْصُوصَ عَلَيْهِ فِي الْغَرَضِ، فَكَانَ تَنْصِيصُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا إِذْنًا فِي الآْخَرِ كَمَا لَوِ اسْتَأْجَرَ أَوِ اسْتَعَارَ أَرْضًا لِزِرَاعَةِ شَيْءٍ، كَانَ إِذْنًا فِي زِرَاعَةِ مِثْلِهِ فَمَا دُونَهُ، وَلَوِ اشْتَرَى عَقَارًا كَانَ لَهُ أَنْ يُسْكِنَهُ مِثْلَهُ، وَلَوْ نَذَرَ صَلاَةً أَوِ اعْتِكَافًا فِي مَسْجِدٍ جَازَ الاِعْتِكَافُ وَالصَّلاَةُ فِي غَيْرِهِ. وَسَوَاءٌ قَدَّرَ لَهُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يُقَدِّرْهُ، وَإِنْ عَيَّنَ لَهُ الْمُشْتَرِيَ فَقَال: بِعْهُ فُلاَنًا، لَمْ يَمْلِكْ بَيْعَهُ لِغَيْرِهِ بِغَيْرِ خِلاَفٍ، سَوَاءٌ قَدَّرَ لَهُ الثَّمَنَ أَوْ لَمْ يُقَدِّرْهُ، لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ غَرَضٌ فِي تَمْلِيكِهِ إِيَّاهُ دُونَ غَيْرِهِ، إِلاَّ أَنْ يَعْلَمَ الْوَكِيل بِقَرِينَةٍ أَوْ صَرِيحٍ أَنَّهُ لاَ غَرَضَ لَهُ فِي عَيْنِ الْمُشْتَرِي.
وَقَالُوا: كُل تَصَرُّفٍ كَانَ الْوَكِيل مُخَالِفًا فِيهِ
لِمُوَكِّلِهِ فَحُكْمُهُ فِيهِ حُكْمُ تَصَرُّفِ الأَْجْنَبِيِّ. (1)
مُخَالَفَةُ الْوَكِيل لِقُيُودِ الْمُوَكِّل فِي الْبَيْعِ:
مُخَالَفَةُ الْوَكِيل فِي الْبَيْعِ تَكُونُ فِي أُمُورٍ، مِنْهَا:

الأَْمْرُ الأَْوَّل: الْمُخَالَفَةُ فِي الثَّمَنِ:
الْمُخَالَفَةُ فِي الثَّمَنِ إِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي وَصْفِهِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي جِنْسِهِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ فِي قَدْرِهِ.

أ - الْمُخَالَفَةُ فِي الْوَصْفِ:
قَدْ يَأْمُرُ الْمُوَكِّل وَكِيلَهُ بِأَنْ يَبِيعَ السِّلْعَةَ نَسِيئَةً، فَيَبِيعَهَا حَالَّةً، وَقَدْ يَكُونُ الْعَكْسُ، فَيَأْمُرُهُ بِالْبَيْعِ عَلَى الْحُلُول فَيَبِيعُ نَسِيئَةً.

الْحَالَةُ الأُْولَى: مُخَالَفَةُ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ نَسِيئَةً بِأَنْ بَاعَ حَالًّا.
80 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الْبَيْعِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ: فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ، الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَذْهَبِ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ كَذَلِكَ، إِلَى جَوَازِ الْبَيْعِ وَنَفَاذِهِ فِي حَقِّ الْمُوَكِّل؛ لأَِنَّ الْمُوَكِّل حَصَل لَهُ مَقْصُودُهُ وَزَادَهُ الْوَكِيل خَيْرًا بِزِيَادَةِ الثَّمَنِ عَلَى الْقَدْرِ الْمُسَمَّى أَوْ فِي صِفَةِ الْحُلُولِ، فَكَانَ الْوَكِيل مَأْذُونًا فِي هَذَا الْبَيْعِ عُرْفًا.
__________
(1) المغني مع الشرح الكبير 5 / 251 - 256، وانظر المغني المحقق 13 / 520 ط هجر.

الصفحة 44