كتاب مجموع فتاوى ابن باز (اسم الجزء: 2)

جل وعلا، وبينوا أيضا علو الله وفوقيته على خلقه. ولهذا قال فرعون لوزيره هامان {ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ} (¬1) {أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى} (¬2)
أخبره أن الله فوق السماء جل وعلا. ولهذا أراد هذا الجبار أن يتطاول بهذا الكلام القبيح الساقط الذي لا قيمة له.
ومن هذا ما ذكره الله جل وعلا عن عيسى عليه الصلاة والسلام والحواريين في سورة المائدة حيث قال سبحانه: {إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (¬3) {قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ} (¬4) {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ} (¬5) {قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَابًا لَا أُعَذِّبُهُ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ} (¬6) ففي هذا بيان شيء من قدرة الله جل وعلا، وأنه سبحانه القادر على كل شيء، وأنه سبحانه في العلو، لأن الإنزال يكون من الأعلى إلى الأسفل،
فإنزال المائدة وطلب إنزالها، كل ذلك دليل على أن القوم قد عرفوا أن ربهم في العلو، فهم أعرف بالله وأعلم به من الجهمية وأضرابهم ممن أنكر العلو. فالحواريون طلبوا ذلك وعيسى بين لهم ذلك والله بين ذلك أيضا، ولهذا قال: {إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ} (¬7) فدل ذلك على أن ربنا جل وعلا يطلب من
¬__________
(¬1) سورة غافر الآية 36
(¬2) سورة غافر الآية 37
(¬3) سورة المائدة الآية 112
(¬4) سورة المائدة الآية 113
(¬5) سورة المائدة الآية 114
(¬6) سورة المائدة الآية 115
(¬7) سورة المائدة الآية 115

الصفحة 56