والتوجيه إلى الخير، وقد اعترف ابن حزم وأبو تراب بهذا الوجه، وزعما أن الآية تختص بهذا الصنف، وهو خطأ بين، وعدول بالآية عن معناها الصحيح، وإضاعة لمعناها الأكمل.
فعرفت - أيها القارئ الكريم - من هذه الأوجه الثلاثة، كشف شبهة أبي تراب وبطلانها، واتضح لك أن الآية الكريمة حجة ظاهرة على ذم الأغاني والملاهي وتحريمهما، وأنها وسيلة للضلال والإضلال والسخرية بسبيل الله، والإعراض عن كتابه، وإن لم يشعر مشتروها بذلك، وهذا هو الذي فهمه السلف الصالح من الآية الكريمة، وهم أولى بالاتباع رضي الله عنهم، وسبق لك كشف شبهة أبي تراب في تعلقه بحديث الجاريتين، وكشف شبهته الأخرى في تعلقه بحديث أبي مسعود البدري وصاحبيه في الرخصة لهم في الغناء وقت العرس، وأوضحنا فيما تقدم أن الحديثين المذكورين حجة ظاهرة على أبي تراب، وإمامه ابن حزم في النهي عن الأغاني والمنع منها لا على جوازها والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
وقد تكلم العلامة ابن القيم رحمه الله على الآية المتقدمة، وهي قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} (¬1) الآية، بكلام حسن يؤيد ما تقدم وهذا نصه قال رحمه الله: (قال الواحدي وغيره: أكثر المفسرين على أن المراد بلهو الحديث، الغناء، قاله ابن عباس في رواية سعيد بن جبير ومقسم عنه وقاله عبد الله بن مسعود في رواية أبي الصهباء عنه، وهو قول مجاهد وعكرمة، وروى ثوير بن أبي فاختة عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} (¬2) قال: هو الرجل يشتري الجارية تغنيه ليلا ونهارا، وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد: هو اشتراء المغني والمغنية بالمال الكثير، والاستماع إليه وإلى مثله من الباطل، وهذا قول مكحول، وهذا اختيار أبي إسحاق أيضا، وقال: أكثر
¬__________
(¬1) سورة لقمان الآية 6
(¬2) سورة لقمان الآية 6