كتاب مجموع فتاوى ابن باز (اسم الجزء: 5)

عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله (¬1) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا ينزع من شيء إلا شانه (¬2) » .
«وجاء جماعة من اليهود، فدخلوا عليه صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك يا محمد - يعنون الموت - وليس مرادهم السلام. . فسمعتهم عائشة رضي الله عنها، فقالت: (عليكم السام واللعنة) . وفي لفظ آخر: (ولعنكم الله، وغضب عليكم) ، فقال صلى الله عليه وسلم: مهلا يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، قالت: ألم تسمع ما قالوا؟ قال: ألم تسمعي ما قلت لهم؟ قلت لهم: وعليكم فإنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا (¬3) » هذا وهم يهود رفق بهم صلى الله عليه وسلم، لعلهم يهتدون، ولعلهم ينقادون للحق، ولعلهم يستجيبون لداعي الإيمان.
فهكذا الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الموفق، يتحرى الرفق والعبارات المناسبة، والألفاظ الطيبة عندما يمر على من قصر في ذلك، في المجلس أو في الطريق أو في أي مكان يدعوهم بالرفق والكلام الطيب، حتى ولو جادلوه في شيء خفي عليهم، أو كابروا فيه يجادلهم بالتي هي أحسن، كما قال سبحانه: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬4) وقال سبحانه: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬5)
من هم أهل الكتاب؟ هم اليهود والنصارى، وهم كفار، ومع ذلك يقول الله عنهم: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (¬6) والمعنى أن من ظلم منهم وتعدى وأساء الكلام فإنه ينتقل معه
¬__________
(¬1) صحيح البخاري الأدب (6024) ، صحيح مسلم السلام (2165) ، سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2701) ، سنن الدارمي الرقاق (2794) .
(¬2) صحيح مسلم البر والصلة والآداب (2594) ، سنن أبو داود الأدب (4808) ، مسند أحمد بن حنبل (6/125) .
(¬3) صحيح البخاري الاستئذان (6256) ، صحيح مسلم السلام (2165) ، سنن الترمذي الاستئذان والآداب (2701) .
(¬4) سورة النحل الآية 125
(¬5) سورة العنكبوت الآية 46
(¬6) سورة العنكبوت الآية 46

الصفحة 65