كتاب مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (اسم الجزء: 2)

مسبباتها، ولهذا لما توجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إلى الشام علم في أثناء الطريق أنه قد وقع فيها الطاعون، فاستشار الصحابة -رضي الله عنهم- هل يستمر ويمضي في سيره، أو يرجع إلى المدينة؟ فاختلف الناس عليه، ثم استقر رأيهم على أن يرجع إلى المدينة، ولما عزم على ذلك جاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح، وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يجله ويقدره فقال: يا أمير المؤمنين، " كيف ترجع إلى المدينة؟ أفرارا من قدر الله "؟ فقال عمر - رضي الله عنه-: " نفر من قدر الله إلى قدر الله "، وبعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- وكان غائبا في حاجة له، فحدثهم «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال عن الطاعون: " إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها» .
والحاصل: أن في قول عمر - رضي الله عنه-: " نفر من قدر الله إلى قدر الله " دليلا على أن اتخاذ الأسباب من قدر الله - عز وجل - ونحن نعلم أن الرجل لو قال: أنا مؤمن بقدر الله وسيرزقني الله ولدا بدون زوجة، لو قال هذا لعد من المجانين، كما أنه لو قال: أنا أؤمن بقدر الله، ولن أسعى في طلب الرزق، ولم يتخذ أي سبب للرزق لعد ذلك من السفه؛ فالإيمان بالقدر إذن لا ينافي الأسباب الشرعية، أو الحسية الصحيحة، أما الأسباب الوهمية التي يدعي أصحابها أنها أسباب، وليست كذلك فهذه لا عبرة بها ولا يلتفت إليها.
ثم اعلم أنه يرد على الإيمان بالقدر إشكال - وليس بإشكال في الواقع - وهو أن يقول قائل: إذا كان فعلي من قدر الله - عز وجل- فكيف أعاقب على المعصية، وهي من تقدير الله- عز وجل -؟
والجواب على ذلك أن يقال: لا حجة لك على المعصية بقدر الله؛ لأن الله- عز وجل - لم يجبرك على المعصية، وأنت حين أقدمت عليها لم يكن

الصفحة 84