كتاب مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (اسم الجزء: 2)

لديك العلم بأنها مقدرة عليك؛ لأن الإنسان لا يعلم بالمقدر إلا بعد وقوع الشيء، فلماذا لم تقدر قبل أن تفعل المعصية أن الله قدر لك الطاعة، فتقوم بطاعته؟ ! وكما أنك في أمورك الدنيوية تسعى لما ترى أن فيه خيرا، وتهرب مما ترى فيه شرا، فلماذا لا تعامل نفسك هذه المعاملة في عمل الآخرة؟ !
ولا أعتقد أن أحدا يسلك الطريق الصعب، ويقول: إن هذا قد قدر لي، بل سوف يسلك الطريق المأمون الميسر، ولا فرق بين هذا وبين أن يقال لك: للجنة طريق، وللنار طريق، فإنك إذا سلكت طريق النار فأنت كالذي سلك الطريق المخوف الوعر، فلماذا ترضى لنفسك أن تسلك طريق الجحيم، وتدع طريق النعيم؟ !
ولو كان للإِنسان حجة بالقدر على فعل المعصية لم تنتف هذه الحجة بإرسال الرسل، وقد قال الله- تعالى -: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}
واعلم أن للإيمان بالقدر ثمرات جليلة على سير الإنسان، وعلى قلبه؛ لأنك إذا آمنت بأن كل شيء بقضاء الله وقدره فإنك عند السراء تشكر الله -عز وجل- ولا تعجب بنفسك، ولا ترى أن هذا الأمر حصل منك بحولك وقوتك، ولكنك تؤمن بأن هذا سبب إذا كنت قد فعلت السبب الذي نلت به ما يسرك، وأن الفضل بيد الله - عز وجل- فتزداد بذلك شكرا لنعم الله - سبحانه وتعالى - ويحملك هذا على أن تقوم بطاعة الله على حسب ما أمرك الله به، وأن لا ترى لنفسك فضلا على ربك، بل ترى المنة لله - سبحانه وتعالى - عليك قال الله- تعالى -: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} .

الصفحة 85