كتاب مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (اسم الجزء: 2)

رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وهو الصادق المصدوق: «إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه -أربعين يومًا، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد» . فأعمال الكفار مكتوبة عند الله -عز وجل - معلومة عنده والشقي شقي عند الله - عز وجل - في الأزل، والسعيد سعيد عند الله في الأزل.
ولكن قد يقول قائل كما قال السائل: كيف يعذبون وقد كتب الله عليهم ذلك في الأزل؟
فنقول: إنهم يعذبون لأنهم قد قامت عليهم الحجة وبين لهم الطريق، فأرسلت إليهم الرسل، وأنزلت الكتب، وبين الهدى من الضلال ورُغِّبوا في سلوك طريق الهدى، وحُذِّروا من سلوك طريق الضلال، ولهم عقول ولهم إرادات، ولهم اختيارات ولهذا نجد هؤلاء الكفار وغيرهم أيضًا يسعون إلى مصالح الدنيا بإرادة واختيار، ولا نجد أحدًا منهم يسعى إلى شيء يضره في دنياه أو يتهاون ويتكاسل في أمر نافع له، ثم يقول: إن هذا مكتوب علي.
أبدًا فكل يسعى إلى ما فيه المنفعة، فكان عليهم أن يسعوا إلى ما فيه منفعة أمور دينهم كما يسعون إلى ما فيه المنفعة في أمور دنياهم، ولا فرق بينهما بل إن بيان الخير والشر في أمور الدين في الكتب المنزلة على الرسل، عليهم الصلاة والسلام، أكثر وأعظم من بيان الأمور الدنيوية، فكان عليهم أن يسلكوا الطرق التي فيها نجاتهم والتي فيها سعادتهم دون أن يسلكوا الطرق التي فيها هلاكهم وشقاؤهم.
ثم نقول: هذا الكافر حين أقدم على الكفر لا يشعر أبدًا أن أحد أكرهه، بل هو يشعر أنه فعل ذلك بإرادته واختياره، فهل كان حين إقدامه على الكفر عالمًا بما كتب الله له؟
والجواب: لا. لأننا نحن لا نعلم أن

الصفحة 98