كتاب مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (اسم الجزء: 4)

العالم ولا خارجه، ولا متصل، ولا منفصل، ولا أنه لا تجوز الإشارة الحسية إليه، بل قد أشار إليه أعلم الخلق به في حجة الوداع يوم عرفة في ذلك المجمع العظيم حينما رفع إصبعه إلى السماء يقول: «اللهم اشهد» ، يشهد ربه على إقرار أمته بإبلاغه الرسالة صلوات الله وسلامه عليه.
وأما العقل: فإن كل عقل صريح يدل على وجوب علو الله بذاته فوق خلقه من وجهين:
الأول: أن العلو صفة كمال الله تعالى قد وجب له الكمال المطلق من جميع الوجوه فلزم ثبوت العلو له تبارك وتعالى.
الثاني: أن العلو ضده السفل، والسفل صفة نقص، والله تعالى منزه عن جميع صفات النقص، فلزم تنزيهه عن السفل، وثبوت ضده له وهو العلو.
وأما الفطرة: فإن الله تعالى فطر الخلق كلهم العرب، والعجم حتى البهائم على الإيمان به وبعلوه فما من عبد يتوجه إلى ربه بدعاء أو عبادة إلا وجد من نفسه ضرورة بطلب العلو وارتفاع قلبه إلى السماء لا يلتفت إلى غيره يمينا، ولا شمالا، ولا ينصرف عن مقتضى هذه الفطرة إلا من اجتالته الشياطين والأهواء.
وكان أبو المعالي الجويني يقول في مجلسه: " كان الله ولا شيء وهو الآن على ما كان عليه" (يعرض بإنكار استواء الله على عرشه) فقال أبو جعفر الهمداني: " دعنا من ذكر العرش- أي لأنه ثبت بالسمع - وأخبرنا عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا ما قال عارف قط: يا الله. إلا وجد من قلبه ضرورة بطلب العلو لا يلتفت يمنة، ولا يسرة فكيف ندفع هذه الضرورة من قلوبنا؟ ".
فصرخ أبو المعالي ولطم رأسه وقال: حيرني الهمداني، حيرني الهمداني.

الصفحة 36