كتاب مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (اسم الجزء: 5)

فالرجل قال: "ادع الله يمسكها" والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لم يسأل الله أن يمسكها؛ لأن إمساكها ليس من المصلحة، لكنه دعا بدعاء تحصل به المصلحة وتزول المفسدة، قال: «اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام وبطون الأودية ومنابت الشجر» . وفي هاتين القصتين كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يرفع يديه وهو يخطب.
وفي الأول عندما سأل الله الغيث رفع الصحابة أيديهم معه وهم يستمعون الخطبة، فيستفاد من هذا أن الخطيب إذا دعا بالغيث أو دعا بالصحو أنه يرفع يديه وأن الناس يرفعون أيديهم معه إذا دعا بالغيث، وفيما عدا ذلك إذا دعا الخطيب في خطبة الجمعة لا يرفع يديه ولا يرفع الناس؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أنكروا على بشر بن مروان حين خطب ودعا في الخطبة ورفع يديه، فرفع اليدين في الدعاء في حال الخطبة ليس من هدي الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إلا إذا دعا باستسقاء أو استصحاء.
«كذلك كانوا في غزوة الحديبية، ونفد الماء الذي معهم فجاء الناس إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقالوا: يا رسول الله نفد الماء، وكان بين يديه ركوة -إناء من جلد- فوضع يديه في الماء فجعل الماء يفور أمثال العيون حتى استفى الناس ورووا» . والله على كل شيء قدير.
وهذه الآية تأييد للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقد تكون الآية التي يرسلها الله عز وجل تكذيبا لمن أرسلت إليه:
يقال: إن مسيلمة الكذاب ادعى النبوة، فجاء إليه قوم فدعوه بالوصف الكاذب، وهو "يا رسول الله" وهو من أكذب عباد الله، قالوا: إن بئرا لنا نزحت وليس فيها إلا ماء قليل تأتي إليها لعل الله يأتي فيها البركة، فجاء إلى البئر وأخذ ماء بفمه ومجه فيها ينتظر أن يخرج الماء إلى أعلى، ولكن الماء الذي فيها غار بالكلية، فالماء الذي كان موجودا ذهب، فهذه آية من آيات الله، ولكنها آية لتكذيب هذا الرجل وليست لتأييده وتصديقه.

الصفحة 285