كتاب مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (اسم الجزء: 5)

والتعلق به خوفا، ورجاءً، ومحبة، وتعظيما، وجاء بالآداب الكاملة التي يشهد بكمالها وصلاحها وإصلاحها كل عقل سليم أمر بالبر والصلة، والصدق، والعدل، والرحمة، والإحسان، ونهى عن كل ما يخالف ويناقض من الظلم، والبغي، والعدوان.
أما تشريعاته فناهيك بها من نظم مصلحة للعباد والبلاد في المعاش، والمعاد، وإصلاحا في العبادة، وإصلاحا في المعاملة في الأحوال الشخصية، والاجتماعية، والاقتصادية، والفردية، والكمالية فيما لو اجتمع الخلق كلهم على سن نظم تماثلها أو تقاربها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
الوجه الرابع: من إعجاز القرآن قوة تأثيره على النفوس والقلوب، فإنه ينفذ إلى القلب نفوذ السهم في الرمية، ويسيطر على العقول سيطرة الشمس على أفق الظلام كما شهد بذلك الموالي والمعادي، حتى إن الرجل العادي -فضلا عن المتعلم- ليسمع القرآن فيجد من نفسه جاذبية عظيمة تجذبه إليه قسرا، يعرف أن هذا ليس من كلام البشر، فقد سمع الوليد بن المغيرة -عم أبي جهل - القرآن مرة من رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال لقومه من بني مخزوم: لقد سمعت من محمد آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس، ولا من كلام الجن، وإن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو وما يعلى. «واجتمع مرة كبراء قريش فقالوا: انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر، فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولينظر ما يرد عليه. فقالوا: ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة، فكلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعرض عليه كل ما يمكن إغراؤه من المال والجاه والنساء، فلما أتم كلامه تلا عليه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أول سورة فصلت، فلما بلغ قوله تعالى:»

الصفحة 309