كتاب مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (اسم الجزء: 5)

« {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} قام عتبة فأمسك بفم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وناشده الرحم أن يكف عنه، فلما رجع عتبة بن ربيعة إلى قومه وجدوه متغيرا، وقص عليهم خبره وما وقع من الرعب في قلب بقراءة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقال لهم: لقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخفت أن ينزل بكم العذاب، ولقد كلمني بكلام ما سمعت أذناي بمثله قط، فما دريت ما أقول» . اهـ. ولقد كان بعض الكبراء من قريش يأتون ليلا خفية يستمعون تلاوة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقرآن كما جرى ذلك لأبي جهل وأبي سفيان وغيرهما.
وهذه القصص وأمثالها تدل دلالة ظاهرة على تأثير القرآن في النفوس وأخذه بمجامع القلوب، ولكن هذا التأثير قد لا يظهر لكل أحد إنما يظهر لمن كان له ذوق ومعرفة بأساليب الكلام، وبلاغة اللسان.
ومن يك ذا فم مر مريض ... يجد مرّا به الماء الزلالا
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعد أن ذكر أنواعا من إعجاز القرآن: وهذه الأمور من ظهرت له من أهل العلم والمعرفة ظهر له إعجازه من هذا الوجه، ومن لم يظهر له ذلك اكتفى بالأمر الظاهر الذي يظهر له ولأمثاله، كعجز جميع الخلق عن الإتيان بمثله مع تحدي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإخباره بعجزهم، فإن هذا أمر ظاهر لكل أحد.
الوجه الخامس: من إعجاز القرآن تلك الآثار الجليلة التي حصلت لأمة القرآن باتباعه والعمل بأهدافه السامية، وتعاليمه الرشيدة، فقد ارتقى بأمة القرآن التي اعتنت به لفظا وفهما وتطبيقا ارتقى بها إلى أوج العلا في العبادة والآداب والكرامة والعزة، لقد عرف سلف هذه الأمة قيمة هذا القرآن الكريم فكانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها،

الصفحة 310