كتاب مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (اسم الجزء: 5)

فيستطيعون الهروب ولا قدرة لهم على التناصر فينصروا وينجوا من المرهوب، ثم أعقب ذلك بذكر الجزاء لأهل الشر بما يستحقون، ولأهل الخير بما يؤملون ويرجون.
ولا شك أن السياق يبين المعنى ويعينه فرب كلمة أو جملة صالحة لمعنى في موضع ولا تصلح له في موضع آخر، وأنت ترى أحيانا كلمة واحدة لها معنيان متضادان يتعين المراد منهما بواسطة السياق كما هو معروف في كلمات الأضداد في اللغة.
فلو قدر أن الآية الكريمة تصلح أن تكون في سياق ما خبرا لما سيكون في الدنيا فإنها في هذا الموضع لا تصلح له بل تتعين أن تكون للتهديد والتعجيز يوم القيامة وذلك لما سبقها ولحقها من السياق.
الثاني: أن جميع المفسرين ذكروا أنها للتهديد والتعجيز وجمهورهم على أن ذلك يوم القيامة وقد تكلم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي على هذه الآية في سورة الحجر عند قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ} . ووصف من زعم أنها تشير إلى الوصول إلى السماء وصفه بأنه لا علم عنده بكتاب الله.
الثالث: أنه لو كان معناها الخبر عما سيحدث لكان معناها يا معشر الجن والإنس إنكم لن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض إلا بعلم وهذا تحصيل حاصل فإن كل شيء لا يمكن إدراكه إلا بعلم أسباب إدراكه والقدرة على ذلك، ثم إن هذا المعنى يسلب الآية روعتها في معناها وفي مكانها فإن الآية سبقها الإنذار البليغ بقوله تعالى: {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ} .

الصفحة 323