كتاب مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (اسم الجزء: 9-10)

عقيدة سليمة، وإلا ابتلي بالشك والقلق والحيرة، وقد قال بعضهم: أكثر الناس شكا عند الموت أهل الكلام، وما بالك - والعياذ بالله - بالشك عند الموت، يختم للإنسان بضد الإيمان.
لكن لو أخذنا العقيدة من كتاب الله وسنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بسهولة وبما جرى عليه السلف، ونقول كما قال الرازي وهو من علمائهم ورؤسائهم: رأيت أقرب الطرق طريقة القرآن: أقرأ في الإثبات: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5] ؛ يعني: فأثبت، وأقرأ في النفي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11] {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه 110] ، ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي؛ لأنه أقر قبل هذا الكلام، فقال: لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية؛ فما رأيتها تروي غليلا ولا تشفي عليلا، ووجدت أقرب الطرق طريقة القرآن.
والحاصل أن هؤلاء المنكرين لما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله - عز وجل - اعتمادا على هذا الظن الفاسد أنها تقتضي التمثيل قد ضلوا ضلالا مبينا؛ فالصحابة رضي الله عنهم هل ناقشوا الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في هذا؟ والذي نكاد نشهد به إن لم نشهد به أنه حين يمر عليهم مثل هذا الحديث يقبلونه على حقيقته، لكن يعلمون أن الله لا مثل له؛ فيجمعون بين الإثبات وبين النفي.
إذًا موقفنا من هذا الحديث الذي فيه إثبات الأصابع لله - عز وجل - أن نقر به ونقبله، وأن لا نقتصر على مجرد إمراره بدون معنى فنكون بمنزلة الأميين الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني، بل نقرؤه ونقول: المراد به أصبع حقيقي يجعل الله عليه هذه الأشياء الكبيرة، ولكن لا يجوز أبدا أن نتخيل بأفهامنا أو أن نقول بألسنتنا: إنه مثل أصابعنا، بل نقول: الله أعلم بكيفية هذه الأصابع؛

الصفحة 1118