كتاب مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (اسم الجزء: 25)

منهم معصية قد تكون ناتجة عن تأويل فكان النصر في أول النهار لحزب الله، وكان العكس في آخر النهار كما هو معلوم، هذه المعصية التي وقعت هي أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - - وقد آتاه الله الحكمة- (وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) (1) فقد رتب- عليه الصلاة والسلام- الجيش ونظمه أحسن نظام وجعل خمسين من الرماة على ثغر خلف الجيش حتى لا يؤتى المسلمون من خلفهم وقال لهم: "لا تبرحوا مكانكم سواء كان لنا أو علينا" (2) .
ولما رأى هؤلاء الرماة أن الكفار انهزموا وأن المسلمين بدؤا يجمعون الغنائم، انطلق منهم أناس وتركوا المكان اعتقادًا منهم أن الأمر قد انتهى، ولكن لما فرغ هذا الثغر، أو كاد يفرغ انطلق رجال
من فرسان قريش نحو الثغر فدخلوا منه واختلطوا بالمسلمين من خلفهم وكان ما قضاه الله بحكمته- عز وجل- (3) .
والمهم أن معصية واحدة أدت بهذا النصر الذي بزغ نجمه إلى الخذلان، فإذا كانت هذه المعصية في جند الله- عز وجل- وفيهم رسوله - صلى الله عليه وسلم - أثرت عليهم هذا التأثير قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ
__________
(1) سورة البقرة، الآية: 269.
(2) رواه البخاري/كتاب الجهاد/باب ما يكره من التنازع برقم (2818) .
(3) انظر صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب، بر قم (3039) .

الصفحة 508