كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إنَّ النَّصَارَى إنَّمَا كَفَرُوا لِتَخْصِيصِهِمْ؛ حَيْثُ قَالُوا: {إنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ} فَكُلَّمَا قَالَتْهُ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ: يَقُولُونَهُ فِي اللَّهِ وَكُفْرُ النَّصَارَى جُزْءٌ مِنْ كُفْرِ هَؤُلَاءِ. وَلَمَّا قَرَءُوا هَذَا الْكِتَابَ الْمَذْكُورَ عَلَى أَفْضَلِ مُتَأَخِّرِيهِمْ؛ قَالَ لَهُ قَائِلٌ: هَذَا الْكِتَابُ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ. فَقَالَ: الْقُرْآنُ كُلُّهُ شِرْكٌ. وَإِنَّمَا التَّوْحِيدُ فِي كَلَامِنَا هَذَا: يَعْنِي أَنَّ الْقُرْآنَ يُفَرِّقُ بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ وَحَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ عِنْدَهُمْ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الْعَبْدُ؛ فَقَالَ لَهُ الْقَائِلُ: فَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ زَوْجَتِي وَبِنْتِي إذًا؟ قَالَ: لَا فَرْقَ لَكِنَّ هَؤُلَاءِ الْمَحْجُوبُونَ قَالُوا حَرَامٌ فَقُلْنَا حَرَامٌ عَلَيْكُمْ. وَهَؤُلَاءِ إذَا قِيلَ فِي مَقَالَتِهِمْ إنَّهَا كُفْرٌ: لَمْ يُفْهَمْ هَذَا اللَّفْظُ حَالَهَا فَإِنَّ الْكُفْرَ جِنْسٌ تَحْتَهُ أَنْوَاعٌ مُتَفَاوِتَةٌ بَلْ كُفْرُ كُلِّ كَافِرٍ جُزْءٌ مِنْ كُفْرِهِمْ؛ وَلِهَذَا قِيلَ لِرَئِيسِهِمْ أَنْتَ نصيري. فَقَالَ: نُصَيْرٌ جُزْءٌ مِنِّي وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ يَقُولُ: إنَّا لَنَحْكِي كَلَامَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نَحْكِيَ كَلَامَ الْجَهْمِيَّة وَهَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنْ أُولَئِكَ الْجَهْمِيَّة فَإِنَّ أُولَئِكَ كَانَ غَايَتُهُمْ الْقَوْلَ بِأَنَّ اللَّهَ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَهَؤُلَاءِ قَوْلُهُمْ أَنَّهُ وُجُودُ كُلِّ مَكَانٍ؛ مَا عِنْدَهُمْ مَوْجُودَانِ؛ أَحَدُهُمَا حَالٌّ وَالْآخَرُ مَحَلٌّ. وَلِهَذَا قَالُوا: إنَّ آدَمَ مِنْ اللَّهِ بِمَنْزِلَةِ إنْسَانِ الْعَيْنِ مِنْ الْعَيْنِ وَقَدْ عَلِمَ الْمُسْلِمُونَ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى؛ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْمُرْسَلِينَ: أَنَّ مَنْ قَالَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْبَشَرِ إنَّهُ جُزْءٌ مِنْ اللَّهِ فَإِنَّهُ كَافِرٌ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ إذْ النَّصَارَى لَمْ تَقُلْ هَذَا

الصفحة 127