كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

رَسُولًا لِقَوْلِهِ: {قُمْ فَأَنْذِرْ} وَلِهَذَا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْوُجُودَ الْعَيْنِيَّ وَالْوُجُودَ الْعِلْمِيَّ وَهَذَا أَمْرٌ بَيِّنٌ يَعْقِلُهُ الْإِنْسَانُ بِقَلْبِهِ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى سَمْعٍ فَإِنَّ الشَّيْءَ لَا يَكُونُ قَبْلَ كَوْنِهِ. وَأَمَّا كَوْنُ الْأَشْيَاءِ مَعْلُومَةً لِلَّهِ قَبْلَ كَوْنِهَا: فَهَذَا حَقٌّ لَا رَيْبَ فِيهِ وَكَذَلِكَ كَوْنُهَا مَكْتُوبَةً عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ مَلَائِكَتِهِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَجَاءَتْ بِهِ الْآثَارُ. وَهَذَا الْعِلْمُ وَالْكِتَابُ: هُوَ الْقَدَرُ الَّذِي يُنْكِرُهُ غَالِيَةُ الْقَدَرِيَّةِ وَيَزْعُمُونَ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ أَفْعَالَ الْعِبَادِ إلَّا بَعْدَ وُجُودِهَا وَهُمْ كُفَّارٌ كَفَّرَهُمْ الْأَئِمَّةُ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ بَيَّنَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ هَذَا الْقَدَرَ وَأَجَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ السُّؤَالِ الْوَارِدِ عَلَيْهِ وَهُوَ تَرْكُ الْعَمَلِ لِأَجْلِهِ فَأَجَابَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ {عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: كُنَّا فِي جِنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ - أَوْ قَالَ - مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إلَّا قَدْ كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِنْ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا نَمْكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ فَمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ وَمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ؟ فَقَالَ: اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ: أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ

الصفحة 152