كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

لَا يَكُونُ فِي مَكَانَيْنِ لِأَنَّ هَذِهِ الْمَعَارِفَ أَسْمَاءٌ قَدْ تُعْرِضُ عَنْهَا أَكْثَرُ الْفِطَرِ وَأَمَّا الْعِلْمُ الْإِلَهِيُّ: فَمَا يُتَصَوَّرُ أَنْ تُعْرِضَ عَنْهُ فِطْرَةٌ. وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا. وَإِنَّمَا الْغَرَضُ هُنَا: أَنَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ - لَمَّا كَانَ هُوَ الْأَوَّلَ الَّذِي خَلَقَ الْكَائِنَاتِ وَالْآخِرَ الَّذِي إلَيْهِ تَصِيرُ الْحَادِثَاتُ؛ فَهُوَ الْأَصْلُ الْجَامِعُ؛ فَالْعِلْمُ بِهِ أَصْلُ كُلِّ عِلْمٍ وَجَامِعُهُ وَذِكْرُهُ أَصْلُ كُلِّ كَلَامٍ وَجَامِعُهُ وَالْعَمَلُ لَهُ أَصْلُ كُلِّ عَمَلٍ وَجَامِعُهُ. وَلَيْسَ لِلْخَلْقِ صَلَاحٌ إلَّا فِي مَعْرِفَةِ رَبِّهِمْ وَعِبَادَتِهِ. وَإِذَا حَصَلَ لَهُمْ ذَلِكَ: فَمَا سِوَاهُ إمَّا فَضْلٌ نَافِعٌ وَإِمَّا فُضُولٌ غَيْرُ نَافِعَةٍ؛ وَإِمَّا أَمْرٌ مُضِرٌّ. ثُمَّ مِنْ الْعِلْمِ بِهِ: تَتَشَعَّبُ أَنْوَاعُ الْعُلُومِ وَمِنْ عِبَادَتِهِ وَقَصْدِهِ: تَتَشَعَّبُ وُجُوهُ الْمَقَاصِدِ الصَّالِحَةِ وَالْقَلْبُ بِعِبَادَتِهِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ: مُعْتَصِمٌ مُسْتَمْسِكٌ قَدْ لَجَأَ إلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ وَاعْتَصَمَ بِالدَّلِيلِ الْهَادِي وَالْبُرْهَانِ الْوَثِيقِ فَلَا يَزَالُ إمَّا فِي زِيَادَةِ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَإِمَّا فِي السَّلَامَةِ عَنْ الْجَهْلِ وَالْكُفْرِ. وَبِهَذَا جَاءَتْ النُّصُوصُ الْإِلَهِيَّةُ فِي أَنَّهُ بِالْإِيمَانِ يَخْرُجُ النَّاسُ مِنْ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ؛ وَضَرَبَ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ - وَهُوَ الْمُقِرُّ بِرَبِّهِ عِلْمًا وَعَمَلًا - بِالْحَيِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ وَالنُّورِ وَالظِّلِّ. وَضَرَبَ مَثَلَ الْكَافِرِ بِالْمَيِّتِ وَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالظُّلْمَةِ وَالْحَرُورِ. وَقَالُوا فِي الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ: هُوَ الَّذِي إذَا ذُكِرَ اللَّهُ خَنَسَ وَإِذَا غُفِلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَسْوَسَ.

الصفحة 16