كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

أَنْ يَكُونَ هُوَ أَصْلُ كُلِّ هِدَايَةٍ وَعِلْمٍ وَأَصْلَ كُلِّ نُصْرَةٍ وَقُوَّةٍ وَلَا يَسْتَهْدِي الْعَبْدُ إلَّا إيَّاهُ وَلَا يَسْتَنْصِرُ إلَّا إيَّاهُ. وَالْعَبْدُ لَمَّا كَانَ مَخْلُوقًا مَرْبُوبًا مَفْطُورًا مَصْنُوعًا: عَادَ فِي عِلْمِهِ وَعَمَلِهِ إلَى خَالِقِهِ وَفَاطِرِهِ وَرَبِّهِ وَصَانِعِهِ فَصَارَ ذَلِكَ تَرْتِيبًا مُطَابِقًا لِلْحَقِّ وَتَأْلِيفًا مُوَافِقًا لِلْحَقِيقَةِ؛ إذْ بِنَاءُ الْفَرْعِ عَلَى الْأَصْلِ وَتَقْدِيمُ الْأَصْلِ عَلَى الْفَرْعِ: هُوَ الْحَقُّ فَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ الصَّحِيحَةُ الْمُوَافِقَةُ لِفِطْرَةِ اللَّهِ وَخِلْقَتِهِ وَلِكِتَابِهِ وَسُنَّتِهِ. وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ (1) أَنَّ {رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا قَامَ إلَى صَلَاةِ اللَّيْلِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ رَبَّ جبرائيل وميكائيل وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ؛ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِك فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ: اهْدِنِي لِمَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِك إنَّك تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . وَأَمَّا الطَّرِيقَةُ الْفَلْسَفِيَّةُ الْكَلَامِيَّةُ: فَإِنَّهُمْ ابْتَدَءُوا بِنُفُوسِهِمْ فَجَعَلُوهَا هِيَ الْأَصْلَ الَّذِي يُفَرِّعُونَ عَلَيْهِ وَالْأَسَاسَ الَّذِي يَبْنُونَ عَلَيْهِ فَتَكَلَّمُوا فِي إدْرَاكِهِمْ لِلْعِلْمِ: أَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ بِالْحِسِّ وَتَارَةً بِالْعَقْلِ وَتَارَةً بِهِمَا. وَجَعَلُوا الْعُلُومَ الْحِسِّيَّةَ وَالْبَدِيهِيَّةَ وَنَحْوَهَا: هِيَ الْأَصْلَ الَّذِي لَا يَحْصُلُ عِلْمٌ إلَّا بِهَا. ثُمَّ زَعَمُوا أَنَّهُمْ إنَّمَا يُدْرِكُونَ بِذَلِكَ الْأُمُورَ الْقَرِيبَةَ مِنْهُمْ مِنْ الْأُمُورِ الطَّبِيعِيَّةِ وَالْحِسَابِيَّةِ وَالْأَخْلَاقِ فَجَعَلُوا هَذِهِ الثَّلَاثَةَ هِيَ الْأُصُولَ
__________
Q (1) في المطبوعة " عامر " والصحيح " عائشة " كما في كتب السنة

الصفحة 20