كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

أَنَّ الْعَبْدَ هُوَ الْمُحْدِثُ لِأَفْعَالِهِ وَإِلَّا انْتَقَضَ الدَّلِيلُ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الْأُصُولِ الَّتِي يُخَالِفُهُمْ فِيهَا جُمْهُورُ الْمُسْلِمِينَ. وَجُمْهُورُ هَؤُلَاءِ الْمُتَكَلِّمِينَ الْمُسْتَدِلِّينَ عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ بِحُدُوثِ الْحَرَكَاتِ: يَجْعَلُونَ هَذَا هُوَ الدَّلِيلَ عَلَى نَفْيِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ السَّمْعِيَّاتِ مِنْ أَنَّ اللَّهَ يَجِيءُ؛ وَيَنْزِلُ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَالْمُعْتَزِلَةُ وَغَيْرُهُمْ يَجْعَلُونَ هَذَا هُوَ الدَّلِيلَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ صِفَةٌ؛ لَا عِلْمَ وَلَا قُدْرَةَ؛ وَلَا عِزَّةَ؛ وَلَا رَحْمَةَ؛ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ بِزَعْمِهِمْ أَعْرَاضٌ تَدُلُّ عَلَى حُدُوثِ الْمَوْصُوفِ. وَأَكْثَرُ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْفَلْسَفَةِ - كَابْنِ سِينَا - يَبْتَدِئُ بِالْمَنْطِقِ ثُمَّ الطَّبِيعِيِّ وَالرِّيَاضِيِّ أَوْ لَا يَذْكُرُهُ. ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى مَا عِنْدَهُ مِنْ الْإِلَهِيِّ. وَتَجِدُ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْكَلَامِ يَبْتَدِئُونَ بِمُقَدِّمَاتِهِ فِي الْكَلَامِ: فِي النَّظَرِ وَالْعِلْمِ. وَالدَّلِيلُ - وَهُوَ مِنْ جِنْسِ الْمَنْطِقِ - ثُمَّ يَنْتَقِلُونَ إلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ. وَإِثْبَاتِ مُحْدِثِهِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَقِلُ إلَى تَقْسِيمِ الْمَعْلُومَاتِ إلَى الْمَوْجُودِ وَالْمَعْدُومِ وَيَنْظُرُ فِي الْوُجُودِ وَأَقْسَامُهُ كَمَا قَدْ يَفْعَلُهُ الْفَيْلَسُوفُ فِي أَوَّلِ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ. فَأَمَّا الْأَنْبِيَاءُ فَأَوَّلُ دَعْوَتِهِمْ: شَهَادَةُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ.

الصفحة 23