كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ مُمْكِنٌ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إلَى وَاجِبِ الْوُجُودِ - إلَى اللَّهِ الَّذِي خَلَقَ الْكَائِنَاتِ - كَانَ هَذَا مِنْ بَابِ إيضَاحِ الْوَاضِحِ فَإِنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ كُلّ ما سِوَى وَاجِبِ الْوُجُودِ: فَهُوَ مُمْكِنٌ وَأَنَّ كُلّ ما هُوَ مَخْلُوقٌ لَهُ فَهُوَ مُمْكِنٌ. الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنْ يُقَالَ: اسْمُ الْوَجْهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إنَّمَا يُذْكَرُ فِي سِيَاقِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَالْعَمَلِ لَهُ وَالتَّوَجُّهِ إلَيْهِ فَهُوَ مَذْكُورٌ فِي تَقْرِيرِ أُلُوهِيَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ لَا فِي تَقْرِيرِ وَحْدَانِيَّةِ كَوْنِهِ خَالِقًا وَرَبًّا وَذَلِكَ الْمَعْنَى هُوَ الْعِلَّةُ الغائية وَهَذَا هُوَ الْعِلَّةُ الْفَاعِلِيَّةُ وَالْعِلَّةُ الغائية هِيَ الْمَقْصُودَةُ الَّتِي هِيَ أَعْلَى وَأَشْرَفُ بَلْ هِيَ عِلَّةٌ فَاعِلِيَّةٌ لِلْعِلَّةِ الْفَاعِلِيَّةِ وَلِهَذَا: قَدَّمْت فِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} وَفِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} {إلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى} {وَلَسَوْفَ يَرْضَى} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} {إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ} . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ حَمْلُ اسْمِ الْوَجْهِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْوَجْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بَلْ هَذَا هُوَ الْوَاجِبُ دُونَ ذَاكَ؛ لِأَنَّ هَذَا اسْتِعْمَالٌ لِلَّفْظِ فِيمَا لَمْ يَرِدْ بِهِ الْكِتَابُ وَالْكِتَابُ قَدْ وَرَدَ بِغَيْرِهِ حَيْثُ ذُكِرَ. الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ اسْمَ الْهَلَاكِ يُرَادُ بِهِ الْفَسَادُ وَخُرُوجُهُ عَمَّا يُقْصَدُ بِهِ

الصفحة 30