كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

يَقِينِيَّةٌ أَفَادَتْ الْيَقِينَ أَيْضًا. وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهَا غَيْرُ يَقِينِيَّةٍ لَمْ تُفِدْ إلَّا الظَّنَّ؛ وَإِنْ لَمْ تَشْعُرْ النَّفْسُ بِوَاحِدِ مِنْهُمَا: بَقِيَ اعْتِقَادًا مُجَرَّدًا لَا يُثْبَتُ لَهُ الْيَقِينُ وَلَا يُنْفَى عَنْهُ. وَأَمَّا الْحِكْمَةُ فِي الْقُرْآنِ: فَهِيَ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَقَوْلُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ كَمَا كَتَبْت تَفْسِيرَهَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَالْمَوْعِظَةُ الْحَسَنَةُ: تَجْمَعُ التَّصْدِيقَ بِالْخَبَرِ وَالطَّاعَةَ لِلْأَمْرِ؛ وَلِهَذَا يَجِيءُ الْوَعْظُ فِي الْقُرْآنِ مُرَادًا بِهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ بِتَرْغِيبِ وَتَرْهِيبٍ. كَقَوْلِهِ: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ} وَقَوْلُهُ: {يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ} وَقَوْلُهُ: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً} أَيْ يَتَّعِظُونَ بِهَا فَيَنْتَبِهُونَ وَيَنْزَجِرُونَ. وَكَذَلِكَ الْجَدَلُ الْأَحْسَنُ: يَجْمَعُ الْجَدَلَ لِلتَّصْدِيقِ وَلِلطَّاعَةِ. الْوَجْهُ الثَّانِي: - وَيُمْكِنُ أَنْ يُقْسَمَ هَذَا إلَى وَجْهٍ آخَرَ - بِأَنْ يُقَالَ: - النَّاسُ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ: إمَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِالْحَقِّ وَيَتَّبِعَهُ فَهَذَا صَاحِبُ الْحِكْمَةِ؛ وَإِمَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ؛ لَكِنْ لَا يَعْمَلُ بِهِ فَهَذَا يُوعَظُ حَتَّى يَعْمَلَ؛ وَإِمَّا أَنْ لَا يَعْتَرِفَ بِهِ فَهَذَا يُجَادَلُ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ لِأَنَّ الْجِدَالَ فِي مَظِنَّةِ الْإِغْضَابِ فَإِذَا كَانَ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ: حَصَلَتْ مَنْفَعَتُهُ بِغَايَةِ الْإِمْكَانِ كَدَفْعِ الصَّائِلِ. الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ لَا يَشْتَمِلُ إلَّا عَلَى حَقِّ يَقِينٍ؛ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى مَا تَمْتَازُ بِهِ الْخَطَابَةُ وَالْجَدَلُ عَنْ الْبُرْهَانِ: بِكَوْنِ الْمُقَدِّمَةِ مَشْهُورَةً أَوْ مُسَلَّمَةً غَيْرَ

الصفحة 45