كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

وَأَمَّا الْحُلُولُ الْمُطْلَقُ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِذَاتِهِ حَالٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَهَذَا تَحْكِيهِ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالسَّلَفِ عَنْ قُدَمَاءِ الْجَهْمِيَّة وَكَانُوا يُكَفِّرُونَهُمْ بِذَلِكَ. وَأَمَّا مَا جَاءَ بِهِ هَؤُلَاءِ مِنْ الِاتِّحَادِ الْعَامِّ. فَمَا عَلِمْت أَحَدًا سَبَقَهُمْ إلَيْهِ إلَّا مَنْ أَنْكَرَ وُجُودَ الصَّانِعِ مِثْلَ فِرْعَوْنَ وَالْقَرَامِطَةِ - وَذَلِكَ أَنَّ حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ عَيْنَ وُجُودِ الْحَقِّ هُوَ عَيْنُ وُجُودِ الْخَلْقِ وَأَنَّ وُجُودَ ذَاتِ اللَّهِ خَالِقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ هِيَ نَفْسُ وُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ فَلَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُمْ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى خَلَقَ غَيْرَهُ وَلَا أَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَلَا أَنَّهُ غَنِيٌّ وَمَا سِوَاهُ فَقِيرٌ. لَكِنْ تَفَرَّقُوا عَلَى ثَلَاثَةِ طُرُقٍ وَأَكْثَرُ مَنْ يَنْظُرُ فِي كَلَامِهِمْ لَا يَفْهَمُ حَقِيقَةَ أَمْرِهِمْ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ مُبْهَمٌ.
(الْأَوَّلُ) أَنْ يَقُولُوا: إنَّ الذَّوَاتِ بِأَسْرِهَا كَانَتْ ثَابِتَةً فِي الْعَدَمِ ذَاتُهَا أَبَدِيَّةٌ أَزَلِيَّةٌ حَتَّى ذَوَاتُ الْحَيَوَانِ وَالنَّبَاتِ وَالْمَعَادِنِ وَالْحَرَكَاتِ وَالسَّكَنَاتِ وَأَنَّ وُجُودَ الْحَقِّ فَاضَ عَلَى تِلْكَ الذَّوَاتِ فَوُجُودُهَا وُجُودُ الْحَقِّ وَذَوَاتُهَا لَيْسَتْ ذَوَاتِ الْحَقِّ وَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالثُّبُوتِ فَمَا كُنْت بِهِ فِي ثُبُوتِك ظَهَرْت بِهِ فِي وُجُودِك. وَيَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يُعْطِ أَحَدًا شَيْئًا وَلَا أَغْنَى أَحَدًا وَلَا أَسْعَدَهُ وَلَا أَشْقَاهُ وَإِنَّمَا وُجُودُهُ فَاضَ عَلَى الذَّوَاتِ فَلَا تَحْمَدْ إلَّا نَفْسَك وَلَا تَذُمَّ إلَّا نَفْسَك.

الصفحة 466