كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

وَيَقُولُونَ: إنَّ هَذَا هُوَ سِرُّ الْقَدَرِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا عَلِمَ الْأَشْيَاءَ مِنْ جِهَةِ رُؤْيَتِهِ لَهَا ثَابِتَةً فِي الْعَدَمِ خَارِجًا عَنْ نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ. وَيَقُولُونَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَقْدِرُ أَنْ يُغَيِّرَ ذَرَّةً مِنْ الْعَالَمِ وَأَنَّهُمْ قَدْ يَعْلَمُونَ الْأَشْيَاءَ مِنْ حَيْثُ عَلِمَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ فَيَكُونُ عِلْمُهُمْ وَعِلْمُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مَعْدِنٍ وَاحِدٍ وَأَنَّهُمْ يَكُونُونَ أَفْضَلَ مِنْ خَاتَمِ الرُّسُلِ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُمْ يأخذون مِنْ الْمَعْدِنِ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ الْمَلَكُ الَّذِي يُوحَى بِهِ الرُّسُلُ. وَيَقُولُونَ: إنَّهُمْ لَمْ يَعْبُدُوا غَيْرَ اللَّهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَعْبُدُوا غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنَّ عُبَّادَ الْأَصْنَامِ مَا عَبَدُوا إلَّا اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إلَّا إيَّاهُ} مَعْنَى حَكَمَ؛ لَا مَعْنَى أَمَرَ فَمَا عُبِدَ غَيْرُ اللَّهِ فِي كُلِّ مَعْبُودٍ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَا قَضَى بِشَيْءِ إلَّا وَقَعَ. وَيَقُولُونَ: إنَّ الدَّعْوَةَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَكْرٌ بِالْمَدْعُوِّ فَإِنَّهُ مَا عُدِمَ مِنْ الْبِدَايَةِ فَيُدْعَى إلَى الْغَايَةِ وَأَنَّ قَوْمَ نُوحٍ قَالُوا: {لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا} لِأَنَّهُمْ لَوْ تَرَكُوهُمْ لَتَرَكُوا مِنْ الْحَقِّ بِقَدْرِ مَا تَرَكُوا مِنْهُمْ؛ لِأَنَّ لِلْحَقِّ فِي كُلِّ مَعْبُودٍ وَجْهًا يَعْرِفُهُ مَنْ عَرَفَهُ وَيُنْكِرُهُ مَنْ أَنْكَرَهُ وَأَنَّ التَّفْرِيقَ وَالْكَثْرَةَ كَالْأَعْضَاءِ فِي الصُّورَةِ الْمَحْسُوسَةِ وَكَالْقُوَى الْمَعْنَوِيَّةِ فِي الصُّورَةِ الرُّوحَانِيَّةِ وَأَنَّ الْعَارِفَ مِنْهُمْ يَعْرِفُ مَنْ عَبَدَ وَفِي أَيِّ صُورَةٍ ظَهَرَ حَتَّى عَبَدَ. فَإِنَّ الْجَاهِلَ يَقُولُ: هَذَا حَجَرٌ وَشَجَرٌ وَالْعَارِفُ يَقُولُ: هَذَا مَجْلًى إلَهِيٌّ يَنْبَغِي تَعْظِيمُهُ فَلَا يَقْتَصِرُ فَإِنَّ النَّصَارَى إنَّمَا كَفَرُوا لِأَنَّهُمْ خَصَّصُوا

الصفحة 467