كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

عَلَى خُلَاصَةِ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ الَّتِي تُوجَدُ فِي كَلَامِ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ مِنْ الْمُتَكَلِّمَةِ والمتفلسفة وَغَيْرِهِمْ. وَنَزَّهَ اللَّهُ عَمَّا يُوجَدُ فِي كَلَامِهِمْ؛ مِنْ الطُّرُقِ الْفَاسِدَةِ وَيُوجَدُ فِيهِ مِنْ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ مَا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ الْبَشَرِ بِحَالِ. الْوَجْهُ الرَّابِعُ: أَنَّ هُنَا نُكْتَةً يَنْبَغِي التَّفَطُّنُ لَهَا فَإِنَّهَا نَافِعَةٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْمُقَدِّمَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْقِيَاسِ الَّذِي هُوَ مَثَلٌ لَهَا وَصْفٌ ذَاتِيٌّ وَوَصْفٌ إضَافِيٌّ: فَالْوَصْفُ الذَّاتِيُّ لَهَا: أَنْ تَكُونَ مُطَابِقَةً فَتَكُونَ صِدْقًا أَوْ لَا تَكُونَ مُطَابِقَةً فَتَكُونَ كَذِبًا وَجَمِيعُ الْمُقَدِّمَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَمْثَالِ الْقُرْآنِ هِيَ صِدْقٌ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا الْوَصْفُ الْإِضَافِيُّ: فَكَوْنُهَا مَعْلُومَةً عِنْدَ زَيْدٍ أَوْ مَظْنُونَةً أَوْ مُسَلَّمَةً أَوْ غَيْرَ مُسَلَّمَةٍ: فَهَذَا أَمْرٌ لَا يَنْضَبِطُ. فَرُبَّ مُقَدِّمَةٍ هِيَ يَقِينِيَّةٌ عِنْدَ شَخْصٍ قَدْ عَلِمَهَا وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ مَظْنُونَةً عِنْدَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْهَا فَكَوْنُ الْمُقَدِّمَةِ يَقِينِيَّةً أَوْ غَيْرَ يَقِينِيَّةٍ أَوْ مَشْهُورَةً أَوْ غَيْرَ مَشْهُورَةٍ أَوْ مُسَلَّمَةً أَوْ غَيْرَ مُسَلَّمَةٍ أُمُورٌ نِسْبِيَّةٌ وَإِضَافِيَّةٌ لَهَا تَعْرِضُ بِحَسَبِ شُعُورِ الْإِنْسَانِ بِهَا. وَلِهَذَا تَنْقَلِبُ الْمَظْنُونَةُ؛ بَلْ الْمَجْهُولَةُ فِي حَقِّهِ يَقِينِيَّةً مَعْلُومَةً وَالْمَمْنُوعَةُ مُسَلَّمَةً؛ بَلْ وَالْمُسَلَّمَةُ مَمْنُوعَةً. وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ الَّذِي أَنْذَرَ بِهِ جَمِيعَ الْخَلْقِ لَمْ يُخَاطِبْ بِهِ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ حَتَّى يُخَاطَبَ بِمَا هُوَ عِنْدَهُ يَقِينِيٌّ مِنْ الْمُقَدِّمَاتِ أَوْ مَشْهُورٌ أَوْ مُسَلَّمٌ. فَمُقَدِّمَاتُ الْأَمْثَالِ فِيهِ: اُعْتُبِرَ فِيهَا الصِّفَةُ الذَّاتِيَّةُ وَهِيَ كَوْنُهَا صِدْقًا وَحَقًّا

الصفحة 47