كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

وَكَمَا يَزْعُمُ الْفَارَابِيُّ: أَنَّ الْفَيْلَسُوفَ أَكْمَلُ مِنْ النَّبِيِّ؛ وَإِنَّمَا خَاصَّةُ النَّبِيِّ جَوْدَةُ التَّخْيِيلِ لِلْحَقَائِقِ؛ إلَى أَنْوَاعٍ مِنْ الزَّنْدَقَةِ وَالْكُفْرِ يَلْتَحِقُونَ فِيهَا بالْإِسْمَاعِيلِيَّة؛ وَالْنُصَيْرِيَّة؛ وَالْقَرَامِطَةِ؛ وَالْبَاطِنِيَّةِ؛ وَيَتَّبِعُونَ فِرْعَوْنَ؛ والنمروذ وَأَمْثَالَهُمَا مِنْ الْكَافِرِينَ بِالنُّبُوَّاتِ أَوْ النُّبُوَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ. وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا فِي هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ وَسَبَبُ ذَلِكَ عَدَمُ أَصْلٍ فِي قُلُوبِهِمْ وَهُوَ الْإِيمَانُ بِاَللَّهِ وَالرَّسُولِ. فَإِنَّ هَذَا الْأَصْلَ إنْ لَمْ يَصْحَبْ النَّاظِرَ وَالْمُرِيدَ وَالطَّالِبَ فِي كُلِّ مَقَامٍ. وَإِلَّا خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا وَحَاجَتُهُ إلَيْهِ كَحَاجَةِ الْبَدَنِ إلَى الْغِذَاءِ أَوْ الْحَيَاةِ إلَى الرُّوحِ. فَالْإِنْسَانُ بِدُونِ الْحَيَاةِ وَالْغِذَاءِ لَا يَتَقَوَّمُ أَبَدًا وَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُعَلَّمَ وَلَا أَنْ يُعَلِّمَ. كَذَلِكَ الْإِنْسَانُ بِدُونِ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَنَالَ مَعْرِفَةَ اللَّهِ وَلَا الْهِدَايَةَ إلَيْهِ وَبِدُونِ اهْتِدَائِهِ إلَى رَبِّهِ: لَا يَكُونُ إلَّا شَقِيًّا مُعَذَّبًا وَهُوَ حَالُ الْكَافِرِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَعَ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ إذَا نَظَرَ وَاسْتَدَلَّ: كَانَ نَظَرُهُ فِي دَلِيلٍ وَبُرْهَانٍ - وَهُوَ ثُبُوتُ الرُّبُوبِيَّةِ وَالنُّبُوَّةِ - وَإِذَا تَجَرَّدَ وَتَصَفَّى كَانَ مَعَهُ مِنْ الْإِيمَانِ مَا يَذُوقُهُ بِذَلِكَ وَيَجِدُهُ. ثُمَّ هَذَا النَّظَرُ وَهَذَا الذَّوْقُ يَجْتَلِبُ لَهُ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَعَالِمِ الرَّبَّانِيَّةِ وَالْمَوَاجِيدِ الْإِلَهِيَّةِ. وَالْعِلْمُ وَالْوَجْدُ مُتَلَازِمَانِ. وَذَلِكَ: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالْمُرْسَلِينَ: عَرَفُوا اللَّهَ بِالْوَحْيِ الْمَعْرِفَةَ الَّتِي هِيَ مَعْرِفَةٌ وَعَبَدُوهُ الْعِبَادَةَ الَّتِي هِيَ حَقٌّ لَهُ بِحَسَبِ مَا مَنَحَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُمْ دَرَجَاتٌ فِي ذَلِكَ؛ لَكِنْ عَرَفُوا مِنْ خُصُوصِ الرُّبُوبِيَّةِ مَا لَا يَقُومُ بِهِ

الصفحة 67