كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

مُجَرَّدُ الْقِيَاسِ النَّظَرِيِّ وَلَا يَنَالُهُ مُجَرَّدُ الذَّوْقِ الْإِرَادِيِّ ثُمَّ أَخْبَرُوا عَنْ ذَلِكَ. وَلَا بُدَّ فِي الْوَصْفِ وَالْإِخْبَارِ مِنْ أَنْ يَذْكُرَ الْمُسَمَّى الْمَوْصُوفَ بِالْأَسْمَاءِ وَالْأَوْصَافِ الْمُتَوَاطِئَةِ الَّتِي فِيهَا اشْتِرَاكٌ وَتَمْيِيزٌ عَنْ الْمَخْلُوقَاتِ بِمَا يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ؛ لِأَنَّ الْقَصْدَ بِالْإِخْبَارِ وَالْوَصْفِ تَعْرِيفُ الْمُخَاطَبِينَ؛ وَالْمُخَاطَبُونَ لَا يَعْرِفُونَ الْخُصُوصِيَّاتِ الَّتِي هِيَ خُصُوصُ ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ. فَلَوْ أَخْبَرُوا بِذَلِكَ وَحْدَهُ مُجَرَّدًا لَمْ يَعْرِفُوا شَيْئًا بَلْ رُبَّمَا أَنْكَرُوا ذَلِكَ. فَإِذَا خُوطِبُوا بِالْمَعَانِي الْمُشْتَرَكَةِ وَأُزِيلَ مَفْسَدَةُ الِاشْتِرَاكِ بِمَا يَقْطَعُ التَّمَاثُلَ كَقَوْلِهِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} وَنَحْوُ ذَلِكَ كَانُوا أَحَدَ رَجُلَيْنِ: إمَّا رَجُلٌ مُؤْمِنٌ آمَنَ بِمَعَانِي تِلْكَ الصِّفَاتِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُطْلَقِ الجملي وَأَثْبَتَهَا لِلَّهِ عَلَى وَجْهٍ يَلِيقُ بِهِ وَيَخْتَصُّ بِهِ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ مَخْلُوقٌ؛ فَهَذَا غَايَةُ الْمُمْكِنِ فِي حَالِ هَؤُلَاءِ. وَإِمَّا رَجُلٌ قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ مِنْ نُورِهِ وَهِدَايَتِهِ الْخَاصَّةِ مَا أَشْهَدَهُ شَيْئًا مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ الَّتِي هِيَ أَعْيَانُ تِلْكَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ فَيَعْلَمُ ذَلِكَ لَا بِمُجَرَّدِ الْقِيَاسِ وَلَا بِمُجَرَّدِ الْوَجْدِ بَلْ بِشُهُودِ عَلَى مُطَابِقٍ لِمَا أَخْبَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَتَدُلُّهُ عَلَى صِحَّةِ شُهُودِهِ مُوَافَقَتُهُ لِمَا أَنْبَأَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَيَحْصُلُ لَهُ نَصِيبٌ مِنْ النُّبُوَّةِ فَإِنَّ النُّبُوَّةَ انْقَطَعَتْ بِكَمَالِهَا وَإِمَّا وُجُودُ بَعْضِ أَجْزَائِهَا فَلَمْ يَنْقَطِعْ. وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ مَحْجُوبًا عَنْ أَنْ يَشْهَدَ مَا شَهِدَهُ النَّبِيُّ فَيُصَدِّقَهُ فِيهِ؛ لِشُهُودِهِ بَعْضَ مَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ وَيَبْقَى مَا شَهِدَهُ مُحَقَّقًا عِنْدَهُ لِثُبُوتِ مَا لَمْ يَشْهَدْهُ وَهَذِهِ حَالُ الصِّدِّيقِينَ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ.

الصفحة 68