كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ أَحَدُهُمَا إلَى ذَلِكَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَإِمَّا أَنْ يَضُمَّ ضِدَّهُ أَوْ لَا يَضُمَّ شَيْئًا؛ فَإِنْ ضَمَّ إلَى ذَلِكَ ضِدَّ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ: وَقَعَ فِي التَّكْذِيبِ وَهُوَ الْكُفْرُ الْمُرَكَّبُ وَإِنْ لَمْ يَضُمَّ إلَيْهِ شَيْءٌ بَقِيَ فِي الْكُفْرِ الْبَسِيطِ سَوَاءٌ كَانَ فِي رَيْبٍ أَوْ فِي إعْرَاضٍ وَغَفْلَةٍ.
فَإِنَّ حَالَ الْكَافِرِ: لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ يَتَصَوَّرَ الرِّسَالَةَ أَوْ لَا؛ فَإِنْ لَمْ يَتَصَوَّرْهَا فَهُوَ فِي غَفْلَةٍ عَنْهَا وَعَدَمِ إيمَانٍ بِهَا. كَمَا قَالَ: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} وَقَالَ: {فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ} لَكِنَّ الْغَفْلَةَ الْمَحْضَةَ لَا تَكُونُ إلَّا لِمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الرِّسَالَةُ وَالْكُفْرُ الْمُعَذَّبُ عَلَيْهِ لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ بُلُوغِ الرِّسَالَةِ. فَلِهَذَا قَرَنَ التَّكْذِيبَ بِالْغَفْلَةِ وَإِنْ تَصَوَّرَ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ وَانْصَرَفَ فَهُوَ مُعْرِضٌ عَنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى. {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} وَكَمَا قَالَ: {رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا} وَكَمَا قَالَ: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا} . وَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ لَا حَظَّ لَهُ؛ لَا مُصَدِّقَ وَلَا مُكَذِّبَ وَلَا مُحِبَّ وَلَا مُبْغِضَ فَهُوَ فِي رَيْبٍ مِنْهُ كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ حَالِ كَثِيرٍ مِنْ الْكُفَّارِ مُنَافِقٍ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَ: {إنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} وَكَمَا قَالَ مُوسَى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ

الصفحة 78