كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 2)

بَلْ مُتَكَلِّمُوهُمْ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إلَى الْبِدَعِ عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ بِمَقَايِيسِهِمْ الْمُسْتَخْرَجَةِ أَضْعَافَ أَضْعَافِ أَضْعَافِ مَا عِنْدَ حُذَّاقِ الْمُتَفَلْسِفَةِ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَّا صَارَ فِيهِمْ مَنْ يَتَحَذَّقُ عَلَى طَرِيقَتِهِمْ فِي عِلْمِ مَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ كالفارابي وَابْنِ سِينَا وَنَحْوِهِمْ وَصَنَّفَ ابْنُ سِينَا كُتُبًا زَادَ فِيهَا بِمُقْتَضَى الْأُصُولِ الْمُشْتَرَكَةِ: أَشْيَاءَ لَمْ يَذْكُرْهَا الْمُتَقَدِّمُونَ وَسُمِّيَ ذَلِكَ الْعِلْمُ الْإِلَهِيُّ وَتَكَلَّمَ فِي النُّبُوَّاتِ وَالْكَرَامَاتِ وَمَقَامَاتِ الْعَارِفِينَ بِكَلَامِ فِيهِ شَرَفٌ وَرِفْعَةٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ. وَإِنْ كَانَ عِنْدَ الْعُلُومِ الْإِلَهِيَّةِ النَّبَوِيَّةِ: فِيهِ مِنْ الْقُصُورِ وَالتَّقْصِيرِ وَالنِّفَاقِ وَالْجَهْلِ وَالضَّلَالِ وَالْكُفْرِ مَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى بَصِيرَةٍ بِالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ وَإِنَّمَا رَاجَ عَلَى مَنْ سَلَكَ طَرِيقَ الْمُتَفَلْسِفَةِ؛ لِأَنَّهُ قَرَّبَ إلَيْهِمْ مَعْرِفَةَ اللَّهِ وَالنُّبُوَّاتِ وَالْمُعْجِزَاتِ وَالْوِلَايَةِ بِحَسَبِ أُصُولِ الصَّابِئَةِ الْفَلَاسِفَةِ - لَا بِحَسَبِ الْحَقِّ فِي نَفْسِهِ - بِمَا أَشْرَقَ عَلَى جَهَالَاتِهِمْ مِنْ نُورِ الرِّسَالَةِ وَبُرْهَانِ النُّبُوَّةِ. كَمَا فَعَلَهُ نسطور النَّصْرَانِيُّ الَّذِي كَانَ فِي زَمَنِ الْمَأْمُونِ الَّذِي تُنْسَبُ إلَيْهِ النسطورية فِي التَّثْلِيثِ وَالِاتِّحَادِ؛ لَكِنَّهُ بِمَا أَضَاءَ عَلَيْهِ مِنْ نُورِ الْمُسْلِمِينَ أَزَالَ كَثِيرًا مِنْ فَسَادِ عَقِيدَةِ النَّصْرَانِيِّ وَبَقِيَ عَلَيْهِ مِنْهَا بَقَايَا عَظِيمَةٌ. وَكَذَلِكَ يَحْيَى بْنُ عَدِيٍّ النَّصْرَانِيُّ لَمَّا تَفَلْسَفَ قَرَّبَ مَذْهَبَ النَّصَارَى فِي التَّثْلِيثِ إلَى أُصُولِ الْفَلَاسِفَةِ فِي الْعَقْلِ وَالْعَاقِلِ وَالْمَعْقُولِ.

الصفحة 85