كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 3)
وَالْكَلَامُ عَلَى فَسَادِ مَقَالَةِ هَؤُلَاءِ وَبَيَانِ تَنَاقُضِهَا بِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ الْمُطَابِقِ لِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ مَذْكُورٌ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ وَهَؤُلَاءِ جَمِيعُهُمْ يَفِرُّونَ مِنْ شَيْءٍ فَيَقَعُونَ فِي نَظِيرِهِ وَفِي شَرٍّ مِنْهُ مَعَ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ التَّحْرِيفِ وَالتَّعْطِيلِ وَلَوْ أَمْعَنُوا النَّظَرَ لَسَوَّوْا بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَاتِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمُخْتَلِفَاتِ كَمَا تَقْتَضِيهِ الْمَعْقُولَاتُ؛ وَلَكَانُوا مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّمَا أُنْزِلَ إلَى الرَّسُولِ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِ وَيَهْدِي إلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ. وَلَكِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمَجْهُولَاتِ الْمُشَبَّهَةِ بِالْمَعْقُولَاتِ يُسَفْسِطُونَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ وَيُقَرْمِطُونَ فِي السَّمْعِيَّاتِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ عُلِمَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ مَوْجُودٍ قَدِيمٍ غَنِيٍّ عَمَّا سِوَاهُ إذْ نَحْنُ نُشَاهِدُ حُدُوثَ الْمُحْدَثَاتِ: كَالْحَيَوَانِ وَالْمَعْدِنِ وَالنَّبَاتِ وَالْحَادِثُ مُمْكِنٌ لَيْسَ بِوَاجِبِ وَلَا مُمْتَنِعٍ وَقَدْ عُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ الْمُحْدَثَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُحْدِثٍ وَالْمُمْكِنَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُوجِدٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} فَإِذَا لَمْ يَكُونُوا خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ خَالِقٍ وَلَا هُمْ الْخَالِقُونَ لِأَنْفُسِهِمْ تَعَيَّنَ أَنَّ لَهُمْ خَالِقًا خَلَقَهُمْ.
وَإِذَا كَانَ مِنْ الْمَعْلُومِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ فِي الْوُجُودِ مَا هُوَ قَدِيمٌ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ وَمَا هُوَ مُحْدَثٌ مُمْكِنٌ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ: فَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا مَوْجُودٌ وَهَذَا
الصفحة 9
16