كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 4)

الْخَاصِّ وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِينَ بِالتَّوَلُّدِ: فَبَعْضُهُ حَقٌّ وَبَعْضُهُ بَاطِلٌ فَإِنْ كَانَ دَعْوَاهُمْ أَنَّ الْعِلْمَ الْمُتَوَلِّدَ هُوَ حَاصِلٌ بِمُجَرَّدِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ؛ فَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا وَلَكِنْ هُوَ حَاصِلٌ بِأَمْرَيْنِ: قُدْرَةُ الْعَبْدِ وَالسَّبَبُ الْآخَرُ كَالْقُوَّةِ الَّتِي فِي السَّهْمِ وَالْقَبُولِ الَّذِي فِي الْمَحَلِّ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ النَّظَرَ هُوَ بِسَبَبِ وَلَكِنَّ الشَّأْنَ فِيمَا بِهِ يَتِمُّ حُصُولُ الْعِلْمِ. وَأَمَّا زَعْمُ الْمُتَفَلْسِفَةِ أَنَّهُ بِالْعَقْلِ الْفَعَّالِ: فَمِنْ الْخُرَافَاتِ الَّتِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا. وَأَبْطَلُ مِنْ ذَلِكَ زَعْمُهُمْ: أَنَّ ذَلِكَ هُوَ جِبْرِيلُ وَزَعْمُهُمْ: أَنَّ كُلَّ مَا يَحْصُلُ فِي عَالَمِ الْعَنَاصِرِ مِنْ الصُّوَرِ الْجُسْمَانِيَّةِ وَكَمَالَاتِهَا: فَهُوَ مِنْ فَيْضِهِ وَبِسَبَبِهِ فَهُوَ مِنْ أَبْطَلْ الْبَاطِلِ. وَلَكِنَّ إضَافَتَهُمْ ذَلِكَ إلَى أُمُورٍ رُوحَانِيَّةٍ: صَحِيحٌ فِي الْجُمْلَةِ. فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُدَبِّرُ أَمْرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ بِمَلَائِكَتِهِ الَّتِي هِيَ السُّفَرَاءُ فِي أَمْرِهِ وَلَفْظُ " الْمَلَكِ " يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَبِذَلِكَ أَخْبَرَتْ الْأَنْبِيَاءُ وَقَدْ شَهِدَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ مِنْ ذَلِكَ بِمَا لَا يَتَّسِعُ هَذَا الْمَوْضِعُ لِذِكْرِهِ كَمَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَلَائِكَةِ تَخْلِيقِ الْجَنِينِ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ رُوحٍ وَاحِدٍ مُتَّصِلٍ بِفَلَكِ الْقَمَرِ يَكُونُ هُوَ رَبَّ هَذَا الْعَالَمِ فَهَذَا بَاطِلٌ. وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ اسْتِقْصَاءِ ذَلِكَ وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الْمَبْدَأَ فِي شُعُورِ النَّفْسِ وَحَرَكَتِهَا: هُمْ الْمَلَائِكَةُ أَوْ الشَّيَاطِينُ فَالْمَلَكُ يُلْقِي التَّصْدِيقَ بِالْحَقِّ وَالْأَمْرَ بِالْخَيْرِ وَالشَّيْطَانُ يُلْقِي التَّكْذِيبَ بِالْحَقِّ وَالْأَمْرَ بِالشَّرِّ. وَالتَّصْدِيقُ وَالتَّكْذِيبُ مَقْرُونَانِ بِنَظَرِ الْإِنْسَانِ؛ كَمَا أَنَّ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ مَقْرُونَانِ بِإِرَادَتِهِ.

الصفحة 35