كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 4)

وَأَمَّا النَّاظِرُ فِي الْمَسْأَلَةِ: فَهَذَا يَحْتَاجُ إلَى شَيْئَيْنِ: إلَى أَنْ يَظْفَرَ بِالدَّلِيلِ الْهَادِي وَإِلَى أَنْ يَهْتَدِيَ بِهِ وَيَنْتَفِعَ. فَأَمَرَهُ الشَّرْعُ بِمَا يُوجِبُ أَنْ يُنْزِلَ عَلَى قَلْبِهِ الْأَسْبَابَ الْهَادِيَةَ وَيَصْرِفَ عَنْهُ الْأَسْبَابَ الْمُعَوِّقَةَ: وَهُوَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ. فَإِنَّ الشَّيْطَانَ وَسْوَاسٌ خَنَّاسٌ فَإِذَا ذَكَرَ الْعَبْدُ رَبَّهُ خُنِّسَ وَإِذَا غَفَلَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وُسْوِسَ. وَ " ذِكْرُ اللَّهِ " يُعْطِي الْإِيمَانَ وَهُوَ أَصْلُ الْإِيمَانِ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَمَلِيكُهُ وَهُوَ مُعَلِّمُ كُلِّ عِلْمٍ وَوَاهِبُهُ فَكَمَا أَنَّ نَفْسَهُ أَصْلٌ لِكُلِّ شَيْءٍ مَوْجُودٍ فَذِكْرُهُ وَالْعِلْمُ بِهِ أَصْلٌ لِكُلِّ عِلْمٍ وَذِكْرُهُ فِي الْقَلْبِ. وَالْقُرْآنُ يُعْطِي الْعِلْمَ الْمُفَصَّلَ فَيَزِيدُ الْإِيمَانَ كَمَا قَالَ " جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ البجلي " وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ: " تَعَلَّمْنَا الْإِيمَانَ ثُمَّ تَعَلَّمْنَا الْقُرْآنَ فَازْدَدْنَا إيمَانًا " وَلِهَذَا كَانَ أَوَّلُ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} فَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَ بِاسْمِ اللَّهِ؛ فَتَضَمَّنَ هَذَا الْأَمْرَ بِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَقَالَ: {بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} {خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} {الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ} {عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} . فَذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ خَلَقَ أَكْرَمَ الْأَعْيَانِ الْمَوْجُودَةِ عُمُومًا وَخُصُوصًا وَهُوَ الْإِنْسَانُ وَأَنَّهُ الْمُعَلِّمُ لِلْعِلْمِ عُمُومًا وَخُصُوصًا لِلْإِنْسَانِ وَذَكَرَ التَّعْلِيمَ بِالْقَلَمِ الَّذِي هُوَ آخِرُ الْمَرَاتِبِ لِيَسْتَلْزِمَ تَعْلِيمَ الْقَوْلِ وَتَعْلِيمَ الْعِلْمِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ.

الصفحة 38