كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 4)

فَصْلٌ:
وَالْحَاصِلُ: أَنَّ كُلَّ مَنْ اسْتَحْكَمَ فِي بِدْعَتِهِ يَرَى أَنَّ قِيَاسَهُ يَطَّرِدُ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عِنْدَهُ - وَإِنْ اسْتَلْزَمَ ذَلِكَ كَثْرَةَ مُخَالَفَةِ النُّصُوصِ - وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي الْمَسَائِلِ الْعِلْمِيَّةِ الْخَبَرِيَّةِ وَالْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ الْإِرَادِيَّةِ: تَجِدُ الْمُتَكَلِّمَ قَدْ يَطَّرِدُ قِيَاسُهُ طَرْدًا مُسْتَمِرًّا فَيَكُونُ فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ أَجْوَدَ مِمَّنْ نَقَضَهَا وَتَجِدُ الْمُسْتَنَّ الَّذِي شَارَكَهُ فِي ذَلِكَ الْقِيَاسِ قَدْ يَقُولُ مَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ الْقِيَاسَ فِي مَوَاضِعَ؛ مَعَ اسْتِشْعَارِ التَّنَاقُضِ تَارَةً وَبِدُونِ اسْتِشْعَارِهِ تَارَةً وَهُوَ الْأَغْلَبُ. وَرُبَّمَا يُخَيَّلُ بِفُرُوقِ ضَعِيفَةٍ فَهُوَ فِي نَقْضِ عِلَّتِهِ وَالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ فِيهَا يَظْهَرُ أَنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْعِلْمِ وَالْخِبْرَةِ وَطَرْدِ الْقَوْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ بَلْ هُوَ خَيْرٌ مِنْ الْأَوَّلِ. فَإِنَّ ذَلِكَ الْقِيَاسَ الَّذِي اشْتَرَكَا فِيهِ كَانَ فَاسِدًا فِي أَصْلِهِ: لِمُخَالَفَةِ النَّصِّ وَالْقِيَاسِ الصَّحِيحِ فَاَلَّذِي طَرَدَهُ أَكْثَرُ فَسَادًا وَتَنَاقُضًا مِنْ هَذَا الَّذِي نَقَضَهُ. وَهَذَا شَأْنُ كُلِّ مَنْ وَافَقَ غَيْرَهُ عَلَى قِيَاسٍ لَيْسَ هُوَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِحَقِّ وَكَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ النُّصُوصِ فِي مَوَاضِعَ مَا يُخَالِفُ ذَلِكَ الْقِيَاسَ وَهَذَا يُسَمِّيهِ الْفُقَهَاءُ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ: الِاسْتِحْسَانَ. فَتَجِدُ الْقَائِلِينَ بِالِاسْتِحْسَانِ الَّذِي تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ لِنَصِّ خَيْرًا مِنْ الَّذِينَ طَرَدُوا الْقِيَاسَ وَتَرَكُوا النَّصَّ.

الصفحة 46