كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 8)

وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمَلِكَ نَائِبٌ لِلْعِبَادِ عَلَى مَا مَلَّكَهُمْ اللَّهُ إيَّاهُ وَالْمَلِكُ مُسْتَلْزِمٌ لِلْقُدْرَةِ فَلَا يَكُونُ مَالِكًا إلَّا مَنْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّصَرُّفِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَلِيِّهِ أَوْ وَكِيلِهِ وَالْعَقْدُ وَالْمَنْقُولُ مَمْلُوكٌ لِمَالِكِهِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَقْدُورٌ لَهُ وَقَدْ قَالَ مُوسَى: {رَبِّ إنِّي لَا أَمْلِكُ إلَّا نَفْسِي وَأَخِي} لَمَّا كَانَ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي أَخِيهِ؛ لِطَاعَتِهِ لَهُ جَعَلَ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ وَقَالَ تَعَالَى: {فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} أَيْ مُطِيقِينَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ صَارُوا مُقْرِنِينَ مُطِيقِينَ لَمَّا سَخَّرَهَا لَهُمْ فَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ} وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَوْ نَقَبُوا ذَلِكَ لَكَانُوا قَدْ اسْتَطَاعُوا النَّقْبَ وَالنَّقْبُ لَيْسَ هُوَ حَرَكَةَ أَيْدِيهِمْ بَلْ هُوَ جَعْلُ الشَّيْءِ مَنْقُوبًا فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ النَّقْبَ مَقْدُورٌ لِلْعِبَادِ. وَأَيْضًا فَالْقُرْآنُ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْمَفْعُولَاتِ الْخَارِجَةَ مَصْنُوعَةٌ لَهُمْ وَمَا كَانَ مَصْنُوعًا لَهُمْ فَهُوَ مَقْدُورٌ بِالضَّرُورَةِ وَالِاتِّفَاقِ وَالْمُنَازِعُ يَقُولُ: لَيْسَ شَيْءٌ خَارِجًا عَنْ مَحَلِّ قُدْرَتِهِمْ مَصْنُوعًا لَهُمْ وَهَذَا خِلَافُ الْقُرْآنِ قَالَ تَعَالَى لِنُوحِ: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} وَقَالَ {وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ} وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّ الْفُلْكَ مَخْلُوقَةٌ مَعَ كَوْنِهَا مَصْنُوعَةٌ لِبَنِي آدَمَ وَجَعَلَهَا مِنْ آيَاتِهِ فَقَالَ: {وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} ، {سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ} {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} وَقَالَ: {أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}

الصفحة 16