كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 8)

وَأَيْضًا فَالْقَدِيمُ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ أَكْمَلُ مِنْ الْمُحْدَثِ فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَخْتَصَّ النَّاقِصُ بِالْكَمَالِ. قَالُوا: وَأَمَّا الْجَمَادُ فَلَا يُسَمَّى حَيًّا وَلَا مَيِّتًا وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ الْجَوَابَ عَنْ هَذِهِ بِأَجْوِبَةِ:
أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَهُمْ: إنَّ الْجَمَادَ لَا يُسَمَّى حَيًّا وَإِنَّمَا يُسَمَّى مَيِّتًا مَا كَانَ قَابِلًا لِلْحَيَاةِ: هُوَ اصْطِلَاحٌ. وَإِلَّا فَالْقُرْآنُ قَدْ سَمَّى الْجَمَادَ مَيِّتًا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ} {أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ} الْآيَةَ. فَسَمَّى الْأَصْنَامَ أَمْوَاتًا وَهِيَ حِجَارَةٌ وَقَالَ: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا} . (الْوَجْهُ الثَّانِي: لَا نُسَلِّمُ امْتِنَاعَ قَبُولِ هَذِهِ الْحَيَاةِ بَلْ الرَّبُّ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ الْجَمَادَاتِ قَابِلَةً لِلْحَيَاةِ وَلَا يَمْتَنِعُ قَبُولُهَا لَهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ جَعَلَ عَصَى مُوسَى حَيَّةً تَسْعَى فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْخَشَبَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَيَوَانًا وَمُوسَى لَمَّا اغْتَسَلَ جَعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ وَقَدْ أَحْيَا اللَّهُ الْحُوتَ الْمَشْوِيَّ الَّذِي كَانَ مَعَهُ وَمَعَ فَتَاهُ وَقَدْ سَبَّحَ الْحَصَى وَالطَّعَامُ - سَبَّحَ وَهُوَ يُؤْكَلُ - وَكَانَ حَجَرٌ يُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَنَّ الْجِذْعُ وَالْجِبَالُ سَبَّحَتْ مَعَ دَاوُد وَنَظَائِرُ هَذَا كَثِيرَةٌ؛ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} . (الْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنْ يُقَالَ: هَبْ أَنَّهُ لَا يُوصَفُ بِالْمَوْتِ إلَّا مَا قَبِلَ الْحَيَاةَ فَمَعْلُومٌ أَنَّ مَا قَبِلَ الْحَيَاةَ أَكْمَلُ مِمَّنْ لَا يَقْبَلُهَا؛ فَالْجَنِينُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ قَبْلَ أَنْ يُنْفَخَ

الصفحة 22