كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 8)

وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِنْسَ وَالْجِنَّ عُمُومًا. وَلَمْ تُذْكَرْ الْمَلَائِكَةُ مَعَ أَنَّ الطَّاعَةَ وَالْعِبَادَةَ وَقَعَتْ مِنْ الْمَلَائِكَةِ دُونَ كَثِيرٍ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ. وَأَيْضًا فَإِنَّ سِيَاقَ الْآيَةِ يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا ذَمٌّ وَتَوْبِيخٌ لِمَنْ لَمْ يَعْبُدْ اللَّهَ مِنْهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَهُ لِشَيْءِ فَلَمْ يَفْعَلْ مَا خُلِقَ لَهُ وَلِهَذَا عَقَّبَهَا بِقَوْلِهِ؛ {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} فَإِثْبَاتُ الْعِبَادَةِ وَنَفْيُ هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّهُ خَلَقَهُمْ لِلْعِبَادَةِ وَلَمْ يُرِدْ مِنْهُمْ مَا يُرِيدُهُ السَّادَةُ مِنْ عَبِيدِهِمْ مِنْ الْإِعَانَةِ لَهُمْ بِالرِّزْقِ وَالْإِطْعَامِ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا} أَيْ نَصِيبًا {مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ} أَيْ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الْكُفَّارِ. أَيْ نَصِيبًا مِنْ الْعَذَابِ وَهَذَا وَعِيدٌ لِمَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ مِنْ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ؛ فَذَكَرَ هَذَا الْوَعِيدَ عَقِيبَ هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا يَتَضَمَّنُ وَعِيدَ مَنْ لَمْ يَعْبُدْهُ. وَذَكَرَ عِقَابَهُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَالَ تَعَالَى فِي أَوَّلِهَا: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا} - إلَى قَوْلِهِ - {إنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٌ} {وَإِنَّ الدِّينَ لَوَاقِعٌ} ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَهُ: {إنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ} {يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ} ثُمَّ ذَكَرَ وَعِيدَ الْآخِرَةِ بِقَوْلِهِ: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} {الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ} {يَسْأَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ} {يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ} ثُمَّ ذَكَرَ وَعْدَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: {إنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} - إلَى قَوْلِهِ - {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ} {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ} {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ} {فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ} ثُمَّ ذَكَرَ قَصَصَ مَنْ آمَنَ فَنَفَعَهُ إيمَانُهُ وَمَنْ كَفَرَ فَعَذَّبَهُ بِكُفْرِهِ. فَذَكَرَ قِصَّةَ إبْرَاهِيمَ وَلُوطٍ وَقَوْمِهِ وَعَذَابَهُمْ،

الصفحة 41