كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 8)

قَدِيمَةً كَمَا يَقُولُ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ وَكَمَا يَقُولُ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُهُ مِنْ الْمُتَفَلْسِفَةِ الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، وَهَؤُلَاءِ أَصْلُ قَوْلِهِمْ أَنَّ الْمُبْدِعَ لِلْعَالَمِ عِلَّةٌ تَامَّةٌ تَسْتَلْزِمُ مَعْلُولَهَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَأَخَّرَ عَنْهَا مَعْلُولُهَا. وَأَعْظَمُ حُجَجِهِمْ قَوْلُهُمْ: إنَّ جَمِيعَ الْأُمُورِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي كَوْنِهِ فَاعِلًا إنْ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْأَزَلِ لَزِمَ وُجُودُ الْمَفْعُولِ فِي الْأَزَلِ لِأَنَّ الْعِلَّةَ التَّامَّةَ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْهَا مَعْلُولُهَا فَإِنَّهُ لَوْ تَأَخَّرَ لَمْ تَكُنْ جَمِيعُ شُرُوطِ الْفِعْلِ وُجِدَتْ فِي الْأَزَلِ فَإِنَّا لَا نَعْنِي بِالْعِلَّةِ التَّامَّةِ إلَّا مَا يَسْتَلْزِمُ الْمَعْلُولَ فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّهُ تَخَلَّفَ عَنْهَا الْمَعْلُولُ لَمْ تَكُنْ تَامَّةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ - الَّتِي هِيَ جَمِيعُ الْأُمُورِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْفِعْلِ وَهِيَ الْمُقْتَضِي التَّامُّ لِوُجُودِ الْفِعْلِ وَهِيَ جَمِيعُ شُرُوطِ الْفِعْلِ الَّتِي يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا وُجُودُ الْفِعْلِ إنْ لَمْ يَكُنْ جَمِيعُهَا فِي الْأَزَلِ - فَلَا بُدَّ إذَا وُجِدَ الْمَفْعُولُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ تَجَدُّدِ سَبَبٍ حَادِثٍ وَإِلَّا لَزِمَ تَرْجِيحُ أَحَدِ طَرَفَيْ الْمُمْكِنِ بِلَا مُرَجِّحٍ وَإِذَا كَانَ هُنَاكَ سَبَبٌ حَادِثٌ فَالْقَوْلُ فِي حُدُوثِهِ كَالْقَوْلِ فِي الْحَادِثِ الْأَوَّلِ وَيَلْزَمُ التَّسَلْسُلُ. قَالُوا فَالْقَوْلُ بِانْتِفَاءِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِلْمَفْعُولِ يُوجِبُ إمَّا التَّسَلْسُلَ وَإِمَّا التَّرْجِيحَ بِلَا مُرَجِّحٍ. ثُمَّ أَكْثَرُ هَؤُلَاءِ يُثْبِتُونَ عِلَّةً غائية لِلْفِعْلِ وَهِيَ بِعَيْنِهَا الْفَاعِلِيَّةُ وَلَكِنَّهُمْ مُتَنَاقِضُونَ فَإِنَّهُمْ يُثْبِتُونَ لَهُ الْعِلَّةَ الغائية وَيُثْبِتُونَ لِفِعْلِهِ الْعِلَّةَ الغائية وَيَقُولُونَ مَعَ هَذَا لَيْسَ لَهُ إرَادَةٌ بَلْ هُوَ مُوجِبٌ بِالذَّاتِ لَا فَاعِلٌ بِالِاخْتِيَارِ وَقَوْلُهُمْ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ.

الصفحة 85