كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 9)

النَّوْعُ الثَّانِي: الدَّوْرُ الْحُكْمِيُّ الْفِقْهِيُّ الْمَذْكُورُ فِي الْمَسْأَلَةِ السريجية وَغَيْرِهَا. وَقَدْ أَفْرَدْنَا فِيهِ مُؤَلَّفًا وَبَيَّنَّا أَنَّهُ بَاطِلٌ عَقْلًا وَشَرْعًا. وَبَيَّنَّا هَلْ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الدَّوْرِ أَمْ لَا؟ . (الثَّالِثُ: الدَّوْرُ الْحِسَابِيُّ؛ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ لَا يُعْلَمُ هَذَا حَتَّى يُعْلَمَ هَذَا. فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُطْلَبُ حَلُّهُ بِالْحِسَابِ وَالْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْ كُلِّ مَسْأَلَةٍ شَرْعِيَّةٍ جَاءَ بِهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُونِ حِسَابِ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ. وَإِنْ كَانَ حِسَابُ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ صَحِيحًا فَنَحْنُ قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ شَرِيعَةَ الْإِسْلَامِ وَمَعْرِفَتَهَا لَيْسَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى شَيْءٍ يُتَعَلَّمُ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ طَرِيقًا صَحِيحًا. بَلْ طُرُقُ الْجَبْرِ وَالْمُقَابَلَةِ فِيهَا تَطْوِيلٌ. يُغْنِي اللَّهُ عَنْهُ بِغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْمَنْطِقِ. وَهَكَذَا كُلُّ مَا بُعِثَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ الْعِلْمِ بِجِهَةِ الْقِبْلَةِ وَالْعِلْمِ بِمَوَاقِيتِ الصَّلَاةِ وَالْعِلْمِ بِطُلُوعِ الْفَجْرِ وَالْعِلْمِ بِالْهِلَالِ؛ فَكُلُّ هَذَا يُمْكِنُ الْعِلْمُ بِهِ بِالطُّرُقِ الَّتِي كَانَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانِ يَسْلُكُونَهَا وَلَا يَحْتَاجُونَ مَعَهَا إلَى شَيْءٍ آخَرَ. وَإِنْ كَانَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ قَدْ أَحْدَثُوا طُرُقًا أُخَرَ؛ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ الشَّرِيعَةِ إلَّا بِهَا. وَهَذَا مِنْ جَهْلِهِمْ كَمَا يَظُنُّ طَائِفَةٌ مِنْ النَّاسِ أَنَّ الْعِلْمَ بِالْقِبْلَةِ لَا يُمْكِنُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ أَطْوَالِ الْبِلَادِ وَعُرُوضِهَا. وَهُوَ وَإِنْ كَانَ عِلْمًا صَحِيحًا حِسَابِيًّا يُعْرَفُ بِالْعَقْلِ لَكِنَّ مَعْرِفَةَ الْمُسْلِمِينَ بِقِبْلَتِهِمْ لَيْسَتْ مَوْقُوفَةً عَلَى هَذَا. بَلْ قَدْ ثَبَتَ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ

الصفحة 215