كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 9)

أَوْ كَانَتْ الْفِطْرَةُ قَدْ فَسَدَتْ بِمَا يَحْصُلُ لَهَا مِنْ الْآرَاءِ وَالْأَهْوَاءِ الْفَاسِدَةِ فَأَزَالَتْ ذَلِكَ الْفَسَادَ. وَالْقُرْآنُ وَالْحَدِيثُ مَمْلُوءَانِ مِنْ هَذَا يُبَيِّنُ اللَّهُ الْحَقَائِقَ بِالْمَقَايِيسِ الْعَقْلِيَّةِ وَالْأَمْثَالِ الْمَضْرُوبَةِ. وَيُبَيِّنُ طَرِيقَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالْفَرْقَ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ. وَيُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَخْرُجُ عَنْ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} الْآيَةُ وَقَوْلِهِ: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} أَيْ هَذَا حُكْمٌ جَائِرٌ لَا عَادِلٌ فَإِنَّ فِيهِ تَسْوِيَةً بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ. وَمِنْ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ قَوْلُهُ: {أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ} وَقَوْلُهُ: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ} الْآيَةُ. وَالْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى أَنَّ الْمِيزَانَ الْعَقْلِيَّ حَقٌّ كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ. وَلَيْسَ هُوَ مُخْتَصًّا بِمَنْطِقِ الْيُونَانِ بَلْ هِيَ الْأَقْيِسَةُ الصَّحِيحَةُ الْمُتَضَمِّنَةُ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ وَالْفَرْقِ بَيْنَ الْمُخْتَلِفَيْنِ سَوَاءٌ صِيغَ ذَلِكَ بِصِيغَةِ قِيَاسِ الشُّمُولِ أَوْ بِصِيغَةِ قِيَاسِ التَّمْثِيلِ وَصِيَغُ التَّمْثِيلِ هِيَ الْأَصْلُ وَهِيَ الْحَمْلُ وَالْمِيزَانُ هُوَ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ وَهُوَ الْجَامِعُ. (الْوَجْهُ الثَّامِنُ) : أَنَّهُمْ كَمَا حَصَرُوا الْيَقِينَ فِي الصُّورَةِ الْقِيَاسِيَّةِ حَصَرُوهُ فِي الْمَادَّةِ الَّتِي ذَكَرُوهَا مِنْ الْقَضَايَا: الْحِسِّيَّاتِ وَالْأَوَّلِيَّاتِ وَالمُتَواتِراتِ وَالْمُجَرَّبَاتِ. وَالْحَدْسِيَّاتِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى نَفْيِ مَا سِوَى هَذِهِ الْقَضَايَا ثُمَّ مَعَ ذَلِكَ إنَّمَا اعْتَبَرُوا فِي الْحِسِّيَّاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ وَغَيْرِهَا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِاشْتِرَاكِ

الصفحة 243