كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 9)

مَلِكًا رَءُوفًا رَحِيمًا؛ وَسَمَّى بَعْضَ عِبَادِهِ عَلِيمًا وَبَعْضَهُمْ حَلِيمًا وَبَعْضَهُمْ رَءُوفًا رَحِيمًا؛ وَبَعْضَهُمْ سَمِيعًا بَصِيرًا؛ وَبَعْضَهُمْ مَلِكًا؛ وَبَعْضَهُمْ عَزِيزًا؛ وَبَعْضَهُمْ جَبَّارًا مُتَكَبِّرًا. وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ الْعَلِيمُ كَالْعَلِيمِ وَلَا الْحَلِيمُ كَالْحَلِيمِ وَلَا السَّمِيعُ كَالسَّمِيعِ؛ وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْأَسْمَاءِ؛ قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} وَقَالَ: {وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ} وَقَالَ: {إنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} وَقَالَ: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} وَقَالَ: {إنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} وَقَالَ: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} وَقَالَ: {إنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا} وَقَالَ تَعَالَى: {أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا ذُكِرَ؛ لَكِنَّ الْإِنْسَانَ يَعْتَبِرُ بِمَا عَرَفَهُ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ. وَلَوْلَا ذَلِكَ لَانْسَدَّتْ عَلَيْهِ طُرُقُ الْمَعَارِفِ لِلْأُمُورِ الْغَائِبَةِ. وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ " الْمُقَابَلَةِ " فَيُقَالُ: مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ عَرَفَ رَبَّهُ بِالرُّبُوبِيَّةِ وَمَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ بِالْفَقْرِ عَرَفَ رَبَّهُ بِالْغِنَى وَمَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ بِالْعَجْزِ عَرَفَ رَبَّهُ بِالْقُدْرَةِ وَمَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ بِالْجَهْلِ عَرَفَ رَبَّهُ بِالْعِلْمِ وَمَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ بِالذُّلِّ عَرَفَ رَبَّهُ بِالْعِزِّ وَهَكَذَا أَمْثَالُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ إلَّا الْعَدَمُ وَصِفَاتُ النَّقْصِ كُلُّهَا تَرْجِعُ إلَى الْعَدَمِ وَأَمَّا الرَّبُّ تَعَالَى فَلَهُ صِفَاتُ الْكَمَالِ وَهِيَ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ يَمْتَنِعُ انْفِكَاكُهُ عَنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ أَزَلًا وَأَبَدًا وَيَمْتَنِعُ عَدَمُهَا لِأَنَّهُ وَاجِبُ الْوُجُودِ أَزَلًا وَأَبَدًا
وَصِفَاتُ كَمَالِهِ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ وَيَمْتَنِعُ ارْتِفَاعُ اللَّازِمِ إلَّا بِارْتِفَاعِ الْمَلْزُومِ فَلَا يُعَدُّ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ إلَّا بِعَدَمِ ذَاتِهِ

الصفحة 297