كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 9)

لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالْحُدُودِ وَيَقُولُونَ: الْحُدُودُ الْمُرَكَّبَةُ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْأَنْوَاعِ الْمُرَكَّبَةِ مِنْ الْجِنْسِ وَالْفَصْلِ دُونَ الْأَنْوَاعِ الْبَسِيطَةِ.
وَقَدْ ذَكَرْت فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ مُلَخَّصَ الْمَنْطِقِ وَمَضْمُونَهُ وَأَشَرْت إلَى بَعْضِ مَا دَخَلَ بِهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ الْخَطَأِ وَالضَّلَالِ. وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِ ذَلِكَ لَكِنْ نَذْكُرُ هُنَا وُجُوهًا:
الْوَجْهُ الْأَوَّلُ: قَوْلُهُمْ: " إنَّ التَّصَوُّرَ الَّذِي لَيْسَ بِبَدِيهِيِّ لَا يُنَالُ إلَّا بِالْحَدِّ " بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ هُوَ قَوْلُ الْحَادِّ. فَإِنَّ الْحَدَّ هُنَا هُوَ الْقَوْلُ الدَّالُّ عَلَى مَاهِيَّةِ الْمَحْدُودِ. فَالْمَعْرِفَةُ بِالْحَدِّ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ الْحَدِّ؛ فَإِنَّ الْحَادَّ الَّذِي ذَكَرَ الْحَدَّ إنْ كَانَ عَرَفَ الْمَحْدُودَ بِغَيْرِ حَدٍّ بَطَلَ قَوْلُهُمْ: " لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْحَدِّ " وَإِنْ كَانَ عَرَفَهُ بِحَدِّ آخَرَ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْأَوَّلِ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْحَادُّ عَرَفَهُ بَعْدَ الْحَدِّ الْأَوَّلِ لَزِمَ الدَّوْرُ وَإِنْ كَانَ تَأَخَّرَ لَزِمَ التَّسَلْسُلُ.

الصفحة 44