كتاب مجموع الفتاوى (اسم الجزء: 9)

الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ الْحَدَّ مِنْ بَابِ الْأَلْفَاظِ؛ وَاللَّفْظُ لَا يَدُلُّ الْمُسْتَمِعَ عَلَى مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ تَصَوَّرَ مُفْرَدَاتِ اللَّفْظِ بِغَيْرِ اللَّفْظِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ الْمُفْرَدَ لَا يَدُلُّ الْمُسْتَمِعَ عَلَى مَعْنَاهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ مَوْضُوعٌ لِلْمَعْنَى وَلَا يُعْرَفُ ذَلِكَ حَتَّى يُعْرَفَ الْمَعْنَى. فَتَصَوُّرُ الْمَعَانِي الْمُفْرَدَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ سَابِقًا عَلَى فَهْمِ الْمُرَادِ بِالْأَلْفَاظِ فَلَوْ اُسْتُفِيدَ تَصَوُّرُهَا مِنْ الْأَلْفَاظِ لَزِمَ الدَّوْرُ. وَهَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ؛ فَإِنَّ الْمُتَكَلِّمَ بِاللَّفْظِ الْمُفْرَدِ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ لِلْمُسْتَمِعِ مَعْنَاهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِحِسِّهِ أَوْ بِنَظَرِهِ وَإِلَّا لَمْ يَتَصَوَّرْ إدْرَاكَهُ لَهُ بِقَوْلِ مُؤَلَّفٍ مَنْ جِنْسٍ وَفَصْلٍ.
الْوَجْهُ السَّابِعُ: أَنَّ الْحَدَّ هُوَ الْفَصْلُ وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الْمَحْدُودِ وَغَيْرِهِ يُفِيدُ مَا تُفِيدُهُ الْأَسْمَاءُ مِنْ التَّمْيِيزِ وَالْفَصْلِ بَيْنَ الْمُسَمَّى وَبَيْنَ غَيْرِهِ فَهَذَا لَا رَيْبَ فِي أَنَّهُ يُفِيدُ التَّمْيِيزَ. فَأَمَّا تَصَوُّرُ حَقِيقَةٍ فَلَا لَكِنَّهَا قَدْ تَفْصِلُ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْمُ بِالْإِجْمَالِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ إدْرَاكِ الْحَقِيقَةِ فِي شَيْءٍ. وَالشَّرْطُ فِي ذَلِكَ: أَنْ تَكُونَ الصِّفَاتُ ذَاتِيَّةً بَلْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ التَّقْسِيمِ وَالتَّحْدِيدِ لِلْكُلِّ كَالتَّقْسِيمِ لِجُزْئِيَّاتِهِ وَيَظْهَرُ ذَلِكَ.

الصفحة 49